للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[قصة جريج العابد]

عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: "كان جريح رجلا عابدا فاتخذ صومعة، فكان فيها، فأتته أمه وهو يصلي فقالت: ياجريح، فقال: يا رب أمي وصلاتي. فأقبل على صلاته فانصرفت، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت: يا جريح، فقال: يا رب أمي وصلاتي، "أيهما أجيب وأيهما أفضل"١ فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريح. فقال: يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته. فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات. فتذاكر بنو إسرائيل جريحا وعبادته. وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها "جمالها" فقالت: إن شئتم لأفتننه. فتعرضت له فلم يلتفت إليها، فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته، فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت: هو من جريح. فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغي فولدت منك. قال: أين الصبي؟ فجاءوا به فقال: دعوني حتى أصلي، فصلى، فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه، وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي، فأقبلوا على جريح يقبلونه ويتمسحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا". "رواه البخاري ومسلم".

ويؤخذ من هذه القصة:

١- أن حق الأم عظيم وأنها يستجاب لها في ولدها إذا تغير قلبها عليه، فجريح مع عبادته واعتزاله تغير قلب أمه إذ دعته لم يجبها؛ لأنه كان في صلاته فدعت عليه فاستجيب لها فما الظن بمن تدعو عليه لإهانتها.

٢- إن الالتجاء إلى الله بصدق ينفع عند وقوع الشدائد كما التجأ جريح، وليس بينه وبين الموت إلا سويعات فأنطق الله له الرضيع: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} .

٣- قوة الإيمان صدق التوكل تصدر عنهما العجائب كما أنطق الله الرضيع لهذا الرجل المبارك.

٤- نهاية الكذب والزور الفشل والغيبة كما حصل لهذه المرأة٢.


١ الكلمات التي بين قوسين ليست من الحديث وإنما هي من إضافة المؤلف لتوضيح المعنى.
٢ محمد أمين الجندي، مائة قصة وقصة في أنيس الصالحين وسمير المتقين، ص٧، ٨ الناشر مكتبة النجاح.

<<  <   >  >>