للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تربية الله للصحابة]

كان القرآن يتنزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليربي هذا الجيل العظيم جيل الصحابة, وليؤهلهم لحمل رسالة التبليغ، تبليغ الدين للبشرية كلها، ولتعليم الناس في أرجاء المعمورة كيف يعبدون الله -عز وجل- لا يشركون به شيئًا، ليبلغوهم بالدين الحنيف, وليطهروا الوجود من عبث الشياطين وطغيان الظالمين, وليوفروا الأمان للإنسان في كل مكان، ومع إخلاص العبادة يتصل الإنسان بالسماء، وباتصاله بالسماء ينصلح كل ما على الأرض، وتحققت تربية الله لهم على مدى عشر سنوات هي مدة القرآن المدني, حتى كان أحدهم يؤمن إيمانًا مطلقًا بأن الله -سبحانه وتعالى- معه يراقبه, ويحصي عليه حركاته وسكناته وأنفاسه، ووثِقَ كلٌّ منهم أن في مقدروه أن يستتر من الناس, لكن ليس بمقدروه أن يستتر من الله, وكيف يستتر من الله أو يخفي في نفسه أمرًا منه, والله تعالى يقول: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} ١، ويقول: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} ٢.

وكيف يخفي عن الله شيئًا مهما صغر في أي مكان, مهما خفي على الناس, وهو يعلم قول الله -عز وجل: {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} ٣.

لما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالًا حتى أذن على ظهر الكعبة، فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص: الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم، وقال الحارث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنًا؟ وقال سهيل بن عمرو: إن يرد الله شيئًا


١ سورة طه آية: ٧.
٢ سورة البقرة من آية: ٢٨٤.
٣ سورة سبأ آية ٣.

<<  <   >  >>