للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لها, وفي معظم الحالات تنشأ مهام النمو عن هذه المصادر الثلاثة جميعًا، وبالطبع فإن هذا الترتيب لمصادر المهام يعكس الوعي بأهمية الأساس البيولوجي للنمو, إلّا أن هذا وحده لا يكفي, فجميع المكونات المختلفة للمجتمع؛ كالأسرة والمدرسة والإعلام والاقتصاد والحكومة, تشارك بدرجات متفاوتة في تعلم هذه المهام, وبعض هذه المؤسسات تقتصر مسوليتها على فترة زمنية محددة من مدى الحياة، بينما يمتد أثر البعض الآخر طوال حياة الإنسان "كالأسرة", وتلعب مؤسسات أخرى أدوارًا غير مباشرة "كالاقتصاد" في تحديد فرص العمل مثلًا، بينما يكون دور مؤسسات أخرى مباشرًا، ومن ذلك الحكومة حين تسن تشريعات معينة حول مهام النمو "قوانين الطفولة مثلًا".

ويوصف السن الذي تحدده ثقافة المجتمع وتتوقع فيه أن يتقن المرء مهمة معينة بأنه "سن حرج" critical لهذه المهمة؛ ولأن معظم مهام النمو "ثقافية" في طبيعتها, فإننا نتوقف لها أن تتغير تبعًا لتغير القيم الثقافية السائدة في كل مجتمع من المجتمعات, كما أنها تختلف في المجتمع الواحد من عصر إلى آخر؛ فبعض المهام النمائية التي تسود في المجتمع في عصرٍ معينٍ قد يتجاوزها عصر جديد, وتحل محلها مهام جديدة، أو قد تتغير أهميتها النسبية, ولعل أشهر الأمثلة الحديثة ما حدث في الولايات المتحدة في منتصف الخمسينيات حين أطلق الاتحاد السوفيتي أول قمر صناعي في التاريخ "سبوتنيك الأول"، فقد أصبحت مهام تعلم الرياضيات والعلوم على رأس ما يجب على الطفل والمراهق أن يتعلمه في المدرسة الأمريكية.

ويرى هافيجهرست أن مهام النمو لها أهميتها من ناحيتين: فهي أولًا: تحدد التوقعات الأساسية التي يرغب المجتمع أن ينجزها كل عضو فيه, وثانيًا -وقد يكون الأهم: تحديد الخدمات التي يجب على المجتمع أن يوفرها لأعضائه في مختلف الأعمار, فإذا كان المجتمع يتوقع من أطفاله في سن السادسة أن يبدأوا في تعلم المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب, فمن واجبه أن يوفر لهم المدارس التي تحقق هذه المهمة, وإذا كان يتوقع أن الناس في مرحلة الرشد المبكر أن يبدأوا حياتهم الزوجية وتكوين الأسرة, فعليه أن يوفر لهم الخدمات الاجتماعية والاقتصادية التي تيسر هذه المهمة, وهكذا يحدد لنا اتجاه مهام النمو نظامًا كاملًا للخدمات التي يجب أن تتوفر في كل رحلة عمرية من حياة الإنسان.

وقد أعد هافيجهرست أكثر قوائم النمو شمولًا، إلّا أن قائمته مشتقة بالطبع

<<  <   >  >>