للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتغلب خاصية التمركز حول الذات على لغة الطفل في هذا الطور، فهو لا يستطيع مواءمتها مع وجود الآخرين, ولا تختلف لغته حين يكون وحده عن لغته مع وجود غيره من الأطفال أو الكبار, ولا يبذل جهدًا في نقل أفكاره لغيره, وتتناقص بالطبع نسبة الكلام المتمركز حول الذات مع زيادة التفاعل الاجتماعي للطفل, ومع بلوغ الطفل سن السابعة "نهاية هذا الطور" يكون واعيًا بالمستمع, ويعدل في لغته؛ بحيث تصبح مفهومة منه, ويفسر بياجيه هذا التحول من اللغة الذاتية إلى اللغة الاجتماعية على أنه دليل على النمو العقلي للطفل نحو وضع عدة وجهات نظرٍ موضع الاعتبار في وقت واحد.

وبالطبع, فإن تفكير الطفل في فترة ما قبل المفاهيم يعتمد على الأشياء والأحداث, ومعظم التمثيلات "الصور" الذهنية عنده تشير دائمًا إلى هذه الأشياء والأحداث كوقائع فيزيائية مادية، سواء استخدم في عمليات التمثيل الذهني الرموز أو الإشارات؛ فالعصا عند الطفل ترمز إلى البندقية, وحينما يتقدم به العمر قد يستخدم الكلمة لتدل على عملية عدوانية كاملة، ويكون السلوك المعرفي حينئذ أقرب إلى التجريد "أي: دون الإشارة إلى شيء فيزيائي".

ب- فترة التفكير الحدسي: من ٤ سنوات حتى ٧سنوات, وفيها يتحرر الطفل من كثير من نقائص المرحلة السابقة, ومع ذلك يظلُّ محكومًا بحدودٍ كثيرة، والسبب الرئيسي في ذلك: أن تفكير الطفل لم يتحرر تمامًا من الإدراك المباشر, ومن أهم خصائص التفكير في هذه المرحلة أنه -حسب تفسير بياجيه- من النوع الحدسي lntuitiv.

وحتى يمكن فهم معنى الحدس عنده نذكر ما لاحظه على الأطفال من سن ٤ حتى ٥سنوات, الذين يذهبون وحدهم إلى المدرسة ويعودون منها, ومع ذلك لا يستطيعون رسم خريطة للطريق باستخدام المكعبات, كما أن الطفل في هذا السن يستطيع أن يفهم أن لديه أخًا هو "س", ولكنه ينكر أن "س" لديه أخ؛ فالعلاقة عنده من جانب واحد, وهذه إحدى الصفات الهامة للتفكير في هذا الطور, ويسميها بياجيه اللامقلوبية irreversibility, وتعد إحدى الاكتشافات الهامة في تاريخ علم النفس.

ومن خصائص التفكير في هذا الطور أيضًا أن الميل للاستجابة لأحد جوانب الموقف لا يزال سائدًا، أي: الاستجابة تكون مقيدة بخصائص المثير، وهذه إحدى الخصائص الهامة للتفكير في هذه الفترة -أي: فترة التفكير الحدسي- ويسميها بياجيه خاصية التمركز Centering على أحد الجوانب الإدراكية الخاصة. ولهذا

<<  <   >  >>