للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بلوغ النكاح "وهو البلوغ الجنسي" شرطًا سابقًا على الرشد، ولكنه تَطَلَّبَ منا أن نتحقق من حدوث هذا الرشد بالفعل، وهذا يعني أن الرشد قد يصاحب البلوغ الجنسي, وقد يأتي بعده, إلّا أنه بالطبع لا يسبقه.

وقد كان الرشد يتطابق مع البلوغ الجنسي في الثقافات البدائية, كما يتطابقان في بعض الثقافات البسيطة الحديثة "كالثقافة الريفية أو الثقافة البدوية", إلّا أنه مع تقدُّم المدنية تَطَلَّبَ الأمر دفع العمر المعترف به للرشد بعد سبع أو ثماني سنوات من طور البلوغ الجنسي للفرد "المراهقة", وبالمثل فإن "سن اليأس" أو التغير في الحياة من الشخص الجنسي إلى الشخص اللاجنسي asexual لا يعني فقدان الرشد.

٢- محك العمر:

تتفق معظم الثقافات المعاصرة، ومنها مصر والدول العربية والإسلامية، على أن الإنسان يصل إلى رشده عند بلوغ الحادية والعشرين، وهو السن الذي يتحدد قانونيًّا بأنه إذا بلغه المرء استقلَّ بتصرفاته.

والسؤال الجوهري هنا: لماذا سن الحادية والعشرين كمحدد للرشد؟ ربما يفيدنا أن نجيب على هذا السؤال أن نتناوله في ضوء تحديد ما يسمى الحدث١ juvenile من ناحيةٍ، وفي ضوء قوانين العمل، باعتبار العمل هو أهم مؤشرات الرشد "كما سنبين فيما بعد" من ناحيةٍ أخرى. إن قوانين العمل في مصر تمنع تشغيل الأحداث قبل سن ١٢سنة, وذلك بالنسبة إلى الأفراد الخاضعين لقانون العمل في جمهورية مصر العربية، وأجاز القانون لوزير العمل أن يمنع تشغيل من لم يبلغوا سن ١٥ سنة في بعض الصناعات "قرار رقم ١٥٤ لسنة ١٩٥٩", كما أجاز له أن يشترط لتشغيل هؤلاء الأحداث في بعض الصناعات أن تكون له تذاكر عمل تثبت مقدرتهم الصحية على القيام بها, كما أجازت المادة ١٢٤-٣ من قانون العمل المصري لوزير العمل أن يمنع تشغيل الأحداث الذين تبلُغ سنهم ١٧ سنة كاملة في بعض الصناعات الأخرى "قرار رقم ١٥٦ لسنة ١٩٥٩".

ولكن من هو الحدث الذي تشير إليه النصوص السابقة؟ تحدد معظم التشريعات المعاصرة الحد الأدنى للحدث "وهو حد المسئولية" ما بين ٧، ٨ سنوات "وهو سن التمييز في الشريعة الإسلامية"، والحد الأقصى بين ١٦، ١٨


١ يفضل فخر الدين الرازي في كتابه عن الفراسة أن يُطْلَقَ على الطور الذي أطلقنا عليه تسمية الشباب اسم سن الحداثة, ونحن نفضل أن نستخدم المصطلحات على النحو الذي أوردناه حتى لا تختلط علينا الأمور.

<<  <   >  >>