للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الياقات الزرقاء جميعًا", ومن ذلك مثلًا أن الآلة الكاتبة اليدوية تنقرض، وحلَّت محلها بشكلٍ متزايدٍ الآلات الكاتبة الكهربائية والإلكترونية، والتي هي في سبيلها لتخلي الطريق لآلات تجهيز الكلمات بالحاسوب "الكومبيوتر", وتوجد تغيرات مناظرة تحدث تقريبًا في كل مجالٍ من مجالات الحياة المهنية, وفي مواجهة هذه المفاجآت يجد العاملون أنفسهم -وخاصة في منتصف العمر- أنهم في حاجةٍ إلى إعادة التعلُّم وإعادة التدريب, وتنفق المؤسسات الكثير سنويًّا على برامج التدريب والتنمية المهنية، وهذا الموضوع سنتناوله بالتفصيل في الفصل التالي.

ويبقى مظهر هامٌّ وأخيرٌ من مظاهر الحياة المهنية في مرحلة وسط العمر, وهو أنه مع اقتراب المرء من التقاعد وبلوغ سن المعاش يبدأ في سؤال نفسه "ماذا سوف أفعل بوقتي؟ وتظهر قيمة هذا السؤال إذا علمنا أن معظم الناس في هذا الطور لديهم فرصٌ أكبر لممارسة أنشطة وقت الفراغ, وخاصةً بعد ترك الأبناء المنزل واستقلالهم, ولهذا فإن من أهم أهداف طور الرشد الأوسط إحداث التكامل بين العمل والأسرة ووقت الفراغ, إلّا أن مما يُؤْسَفُ له أن وقت الفراغِ لا يمثِّلُ مكانةً عاليةً في سُلَّمِ القيمِ عند الإنسان في مجتمعاتنا العربية والإسلامية, بل إننا كثيرًا ما ننظر بشيء من الشك نحو أولئك الذين يبذلون بعض الوقت في الهويات أو الألعاب الرياضية أو النشاط الاجتماعي التطوعي، على الرغم من أن أنشطة وقت الفراغ قد تساعد الإنسان على تخطي صراع الأدوار في مراحل عمره المختلفة, وعلى إشباع حاجاته بطرقٍ لا توفرها لها جوانب الحياة الأخرى -وخاصة في العمل.

وتختلف طبيعة نشاط الفراغ مع دخول المرء مرحلة منتصف العمر؛ فبينما كان معظم هذا الوقت خلال الرشد المبكر ينفق مع الأسرة، نجد معظمه بعد استقلال الأبناء ينفق على الأنشطة الشخصية التعبيرية, وتزداد أهمية مسألة وقت الفراغ مع بدء التخطيط للتقاعد, وقد وجد الباحثون أن أولئك الذين لديهم أنشطة غير مهنية لا يشعرون بأزمة التقاعد، أما أولئك الذين "يعيشون للعمل" وحده, فإنهم يتعرضون لصدمة التقاعد حقًّا, ومرة أخرى تفيد أنشطة وقت الفراغ في أن يتعامل المرء مع التغير في الدور؛ من شخصٍ عاملٍ إلى شخصٍ غير عامل، وهو أحد معالم العمر الثالث للإنسان.

<<  <   >  >>