للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جوهره ينكر الرشد جوهرًا وطبيعةً كما بينا فيما سبق, وإلّا فكيف يتأتَّى لراشدٍ اكتسب النضج والاستقلال في نظر نفسه وفي نظر الآخرين؛ كزوجٍ ووالدٍ وعاملٍ أن يضع نفسه موضع الاعتماد من جديد, صحيحٌ أن علم النفس التربوي المعاصر يهتم اهتمامًا فائقًا بما يُسَمَّى التعلُّم الذاتي self-learning, إلّا أن هذا المفهوم فيما يبدو لم يحظ أيضًا بالشيوع العام، ربما لأن بعض الممارسات التربوية حتى وقتنا الحاضر لا تزال تعجز عن إنجازه.

٣- يرى بعض علماء النفس، وعلى رأسهم كارل روجرز Carl Rogers وإبراهام ماسلو Abraham Maslow, أن منشأة القلق عند المتعلِّمين الراشدين يرجع في جوهره إلى الصراع الكامن لديهم عندما يلتحقون بفصول التعلُّمِ، وخاصةً حين يتضمن موضوع التعلُّم بعض المسائل الخلافية أو القيمية, ويفسر هذا الصراع عند أصحاب "نظرية الذات" في أن كل متعلِّم راشدٍ لديه أفكار معينة عن نفسه, بالإضافة إلى منظومته الخاصة من القيم والمعتقدات, وحينما يعترف الراشد بأنه في حاجة إلى التعلُّمِ فإن هذا يتضمن الاعتراف بوجود خطأٍ ما في نظامه القيمي الحالي؛ فالأم الشابة مثلًا قد تشرع بالرغبة في تعلُّمِ المزيد عن نموِّ الطفل, وقد تلتحق بالفعل في أحد فصول علم نفس الطفل, إلّا أنها سرعان ما تترك الدراسة أو ترفض ما يقوله المعلِّم وباقي زملاء الفصل؛ لأنها قد لا توافق عليه؛ لأن هذه الموافقة قد تعني أن طريقتها في رعاية طفلها "خاطئة", أو أنها كانت على نحوٍ أو آخر، أمًّا "سيئة".

ويتفق مع هذا الفرض المشتق من "نظرية الذات" ما يلاحظ على المتعلمين الراشدين من أنهم قد يلجأون إلى بعض الحلول اللاشعورية لمشكلة قلق التعلُّم عندهن، كالاعتقاد بأن المقصود بما يقدَّم في هذه البرامج "وخاصة نقد الممارسات الخاطئة" أشخاص آخرون غيرهم، وهذا ما لاحظناه من خبرتنا ببرنامج إعداد المعلِّم الجامعي الذي تنظمه بعض الجامعات في مصر ابتداءً من مستوى المعيدين والمدرسين المساعدين وحتى الحلقات التعليمية التي تنظم للأساتذة؛ فالجميع يحضرون هذه البرامج والحلقات ولديهم قدر من التوتر، قد يكون كبيرًا, وعلى الرغم من أن الجميع يشهدون بأنهم يتعلمون من خلال هذه البرامج -ومن هؤلاء أساتذة التربية أنفسهم- إلّا أن الملاحظ بصفة عامة أنك قد لا تجد من يعترف بأن مثل هذه البرامج أعد خصيصًا له، وإنما يشير في الأغلب والأعمِّ إلى أن المقصود بها المعلم الجامعي "المبتدئ" أو "غير الخبير" أو "غير التربوي"، وهذه الحيلة "اللاشعورية" هي نوع من الدفاع عن الذات، فالاعتراف بأن الشخص يحتاج إلى

<<  <   >  >>