للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن من عاداتهم أنه حين يموت الطفل يُعْطي الآباء نفس الاسم لطفلٍ جديد, وقد لوحظ أيضًا أن سكان هذه القرى الذين تمتد أعمارهم بين ٦٠، ٧٠ سنة, كانوا يعطون بصفة عامة أعمارهم الصحيحة، أما أولئك الذين تجاوزوا هذا السن فكانوا أقل دقة, ويزداد عدم الدقة مع مزيد من التقدُّمِ في السن, وحين صحح الباحثون هذه البيانات باختيار الوثائق وجدوا أن أحدًا منهم لم يتجاوز عمره مائة عام "Perlmutter Hall, ١٩٨٥".

وقد أجريت دراسات مماثلة على المعمِّرين الروس؛ حيث لم يجد الباحثون وثائق ميلاد رسمية لهؤلاء، كما لاحظوا أن بعض هؤلاء الذين بالغوا في تقدير عمرهم فعلوا ذلك كحيلةٍ للهرب من الخدمة العسكرية، وربما لهذا السبب لم يُجَنَّدْ بعضهم أثناء الحرب العالمية الأولى حين استخدموا وثائق الوالد "المماثل له في الاسم" بدلًا من وثائقهم هم, وحين صُحِّحَتْ أعمارهم وُجِدَ أنها لم تتجاوز الثمانين عامًا, وقس على ذلك حالة معمري باكستان.

ولعل ما يلفت النظر حقًّا أن المناطق الثلاثة المشار إليها تتسم بالبعد والعزلة عن أعباء الحياة المعاصرة, فهم سكانٌ يعيشون حياةً ريفيةً تقليديةً تمامًا، وبالطبع فإن مثل هذه الثقافات يكون للمسن فيها سلطته وتقديره واحترامه، وربما لهذا السبب كانت المبالغة في تقدير العمر, ومع ذلك فإننا لا نستبعد مطلقًا أن يعيش هؤلاء السكان لما يقترب من مائة عام، بل قد يتجاوزون ذلك بعض الشيء، والسبب في ذلك أنهم يظلون على درجةٍ كافيةٍ من النشاط والحيوية والمشاركة في حياة مجتمعهم وبيئتهم حتى عُمٍرٍ متأخِّرٍ، بالإضافة إلى أن نظامهم الغذائي جيد ومتوازن إلى حدٍّ كبيرٍ، وعدم وقوعهم في أسر بعض العادات السيئة التي يعاني منها الإنسان المعاصر, وخاصةً التدخين وإدمان المخدرات وتعاطي المسكرات, إنهم بذلك يعيشون حياةً أقرب إلى تلك التي يوصي بها الباحثون المعاصرون المتخصصون في علم الإعمار Gerontology، وهو أحدث العلوم الإنسانية نشأةً وأكثرها تطورًا في وقتنا الحاضر:

٢- متوسط مدى الحياة:

أما عن متوسط مدى الحياة, وهو المؤشر الثاني الذي يُسْتَخْدَمُ في دراسة العمر فإنه يختلف من ثقافة لأخرى، كما يتغير من عصرٍ لآخر.

إلّا أن الملاحظ أنه خلال القرنين الماضيين طرأت زيادة على متوسط العمر الذي يعيشه الإنسان "وخاصة الإنسان في الغرب"، ويرجع حدوث ذلك خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر إلى سبب جوهري هو زيادة موارد الغذاء

<<  <   >  >>