للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على مدى استفادة الإنسان من قدراته العقلية, واستثماره لسماته النفسية.

فإذا كَوَّنَ الإنسانُ اتجاهاتٍ سلبيةً نحو ذاته والآخرين والعمل والحياة بصفة عامة, فإن ذلك يقوده إلى الشيخوخة, وربما قبل الأوان, كما يفعل تمامًا التدهورفي أنسجة المخ؛ فالذين لا يواصلون ميولهم الاجتماعية والشخصية ولا يتوافقون مع أدوارهم الجديدة بعد التقاعد، سرعان ما يتحوّلون إلى الاكتئاب والعجز, ثم يتدهورون جسميًّا وعقليًّا, وتذكر هيرلوك "Hurlock, ١٩٨٠" أن حوالي نصف المرضى العقليين في سن الشيخوخة, يعانون من الاضطرابات الوظيفية لا العضوية، والتي ترجع في جوهرها إلى عوامل نفسية أكثر منها عوامل فسيولوجية ونيرولوجية, وبالطبع حين تتآزر العوامل النفسية المدمرة مع العوامل الجسمية المتدهورة يسرع ذلك بالانهيار, وتلعب الدافعية دورًا هامًّا في هذا الانهيار والتدهور، وخاصة الدافعية للتعلم؛ فحين يفقد المرء الرغبة في التعلم أو القدرة عليه, يكون هذا كما قلنا هو محك الشيخوخة الحقيقي, ولعل هذا التعلم المستمر -والله أعلم- هو مصدر الحكمة والخبرة الذي أشار إليه القرآن الكريم حين يصف العمر الثالث للإنسان بأن مرحلة "ضعف وشيبة", بمقارنته بالعمر الأول للإنسان بأنه "محض ضعف"؛ لأن ضعف الصبا صيرورة مستمرة إلى هذه الحكمة التي تتوافر للإنسان أثناء مرحلة الرشد.

يقول الله تعالى:

{ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الروم: ٥٤] .

أما إذا افتقد الإنسان القدرة على التعلم فإنه يكون قد وصل إلى أرذل العمر، وهي مرحلة يصفها القرآن الكريم بأن من سماتها الرئيسية أن المرء فيها "لا يعلم من بعد علم شيئا".

يقول الله تعالى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} [الروم: ٥٤] .

وحينئذ يفتقد الحكمة والخبرة, وينتكس إلى نوعٍ من الضعف أشبه بمرحلة الضعف الأول الذي كان عليه قبل الرشد.

التعلم -إذن- هو جوهر قوة الإنسان، والعجز عنه علامة الضعف الإنساني، وفقدانه هو مؤشر الانحدار والنهاية.

وهذا التقسيم يتضمَّن بالضرورة وجود طورين في العمر الثالث للإنسان هما

<<  <   >  >>