للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذا النموذج يُعَدُّ الانسحاب خبرة إيجابية لدى المسنين, ولهذا تؤدي الشيخوخة إلى مزيدٍ من التعامل والانشغال بالذات, ونقص في الاستثمار الانفعالي مع الأشخاص الآخرين أو مع الأحداث الخارجية. معنى ذلك أن المسنين يمارسون التحرر من الالتزامات كعمليةٍ طبيعية, وليس كعملية مفروضة عليهم من المجتمع.

٢- نموذج النشاط:

ظهر هذ النموذج في عام ١٩٧٠ على يد مادوكس "Madox ١٩٧٠", كاحتجاج على النموذج السابق, ففي رأيه أن التحرر من الالتزام هو تغيُّر في الشخصية تتم به المراحل المبكرة وليس المراحل المتأخرة من حياة الإنسان، واقترح نموذجًا بديلًا لتفسير سلوك المسنين؛ هو نموذج النشاط؛ فمع التقاعد "وهو أحد المؤشرات الهامة للشيخوخة" يظل الشخص في حاجة إلى أن يظل منتجًا وسعيدًا؛ فالراشدون النشطون أكثر سعادة من الراشدين المنسحبين, بل إن السعادة ترتبط في جوهرها بالاندماج والتكيف, ولهذا فمن الواجب مساعدة المسنين على البحث عن بدائل للأدوار التي بلغت نهايتها إذا أرادوا أن يحققوا لأنفسهم شيخوخة ناجحة.

ويفترض نموذج النشاط على وجه الخصوص, أن على المسنين البحث عن بدائل لأدوار رئيسية أربعة كانت سائدة من قبل حتى نهاية طور الرشد الأوسط "بلوغ الأشد", وهي: فقدان العمل، ونقص الدخل، وضعف الصحة، والتغير في بنية الأسرة, وإذا أمكن للمسنِّ تعويض هذه الأدوار المفقودة, فإنه يحقق لنفسه تكيفًا ناجحًا في شيخوخته؛ فالشيخوخة هي مرحلة فرص جديدة للأدوار الاجتماعية, وليس مرحلة انسحاب كلي من الحياة الاجتماعية.

والواقع أن نموذج النشاط كنظيره نموذج التحرر من الالتزامات تبسيطٌ مخلٌّ لعملية التقدم في السن, ولا يصلح أحدهما أو كلاهما -حتى الآن- في تفسير ظاهرة التوافق الجيد مع الشيخوخة, والأصح النظر إليها على أنهما يشيران إلى أنماطٍ خاصةٍ من الشيخوخة لا نمطًا محددًا ينطبق على الجميع, ولا يزال الميدان مفتوحًا لمزيد من الاجتهاد الجاد والجهد المبدع, ولعل علماء النفس المسلمين يقتحمون الميدان مزودين بذخيرتهم العظيمة من كنزهم الثمين: كتاب الله الخالد, وسنة نبيه الكريم, وتراث السلف الصالح والتابعين.

<<  <   >  >>