للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويزداد هذا القلق حِدَّةً مع فقدان شريك العمر, أو التدهور في الصحة الجسيمة، إنه يخشى أن يصير عبئًا على الآخرين, وأن يفقد استقلاله، كما يخشى الإهمال الذي قد يتعرّض له إذا أصيب بمرض عضال، ولهذا نجد أن قلق العجز المتعلم, والقلق الاكتئابي أكثر شيوعًا لدى المسنين في طور أرذل العمر.

٢- الاضطرابات السيكوسوماتية:

كثيرًا ما يظهر المسنون في طور أرذل العمر أعراضًا جسمية لاضطراباتهم النفسية، ويظهر ذلك خاصة في نوعين من الاضطرابات؛ هما: زملة بريكيه وتوهم المرض.

وتتسم زملة بريكيه Briquet's Syndrome بتواتر الشكاوى المتعددة من الاضطراب الجسمي, والتي لا يسببها مرض جسمي محدد؛ فقد يحدث أن يعاني المسن في وقت واحد من الصداع والتعب والإغماء والغثيان والقيء ومشكلات الجهاز الهضمي والجهاز التناسلي وأمراض الحساسية, والأشخاص الذين يعانون من زملة بريكيه يظهرون هذه الاضطرابات الجسمية كأعراض تحولية، أي: أن هذه الأعراض الجسمية لها وظيفتها الرمزية في الدلالة على القلق ومشاعر الذنب والاكتئاب والميول الانتحارية "وهو المرض الذي كان يسمى في الماضي الهيستيريا التحولية", صحيح أن هذا المرض قد يظهر مبكرًا منذ مطلع الرشد, ولكنه مع أرذل العمر يزداد رسوخًا واستقرارًا وحدة, وهو أكثر شيوعًا بين النساء منه بين الرجال.

أما توهم المرض hypochondria وهو "عصاب" سيكوسوماتي آخر، فيه ينشغل المسن انشغالًا زائدًا بجسمه, أو بأجزأء منه, والتي يشعر أنها مريضة أو ضعيفة الكفاءة، ويتسم مثل هذا الشخص بالنرجسية، بمعنى أنه يتحول من تركيز اهتمامه السيكولوجي بالأشياء والأشخاص في بيئته, إلى تركيزه على ذاته, وخاصة ذاته الجسمية، وبهذا ينتقل القلق من مصدر من الضغط والإجهاد السيكولوجي المحدد إلى شكوى جسمية تدرك لا شعوريًّا, وتعتبر أقل تهديدًا, ويستخدم المرضى من هذه الفئة الأعراض الجسمية كوسيلة لعقاب الذات, وكنوع من الكفارة عن عدوانهم ومشاعرهم السلبية الأخرى نحو الآخرين وثيقي الصلة بهم, كما أن هذه الأعراض تستخدم أيضًا في عقاب الآخرين الذين يشعر المسن أنهم عَرَّضُوه للأذى، ومع ذلك فهو "أي: المسن" لا يستطيع مقابلة الأذى بمثله.

ولا شَكَّ أن الاضطرابات السيكوسوماتية تحقق للمسن في أرذل العمر دوره

<<  <   >  >>