للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"اختلف المفسرون في تأويل الغيب هنا، فقالت فرقة: الغيب في هذه الآية: الله سبحانه، وضعفه ابن العربي، وقال آخرون: القضاء والقدر، وقال آخرون: القرآن: القرآن وما فيه من الغيوب، وقال آخرون: الغيب كل ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- مما لا تهتدي إليه العقول من أشراط الساعة، وعذاب القبر، والحشر، والنشر، والصراط، والميزان، والجنة، والنار، قال ابن عطية: وهذه الأقوال لا تتعارض؛ بل يقع الغيب على جميعها، قلت: وهذا هو الإيمان الشرعي المشار إليه في حديث جبريل -عليه السلام، حين قال للنبي -صلى الله عليه وسلم: فأخبرني عن الإيمان، قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره قال: صدقت١ ... وذكر الحديث" ٢.

مظاهر ودلائل الغيبية:

والغيبية واحدة من الركائز الكبرى، والخصائص العظمى في العقيدة، حيث إن كثيرًا من مسائل العقيدة وقضاياها يقع في نطاق الغيب، ولذلك شواهد كثيرة في الشرع، فمن ذلك:

١- أن الباري -رضي الله عنه- ابتدأ كتابه العزيز بذكر هذه الركيزة كخاصية من خواص المؤمنين اللازمة، وصفة من صفاتهم البارزة.

قال تعالى: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: ١-٣] .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: "ولما كانت سورة البقرة سنام القرآن ويقال: إنها أول سورة نزلت بالمدينة، افتتحها الله بأربع آيات في صفة المؤمنين، وآيتين في


١ رواه مسلم من حديث عمر، وروى البخاري ومسلم نحوه في حديث أبي هريرة.
٢ تفسير القرطبي "١/ ١٦٣".

<<  <   >  >>