للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مصادر المعرفة بين الوحي والعقل.. وبين الإيمان بالقدر والأخذ بالأسباب، وبين العمل للدنيا والعلم للآخرة، وبين القيم المادية والقيم المعنوية"١.

وسطية الأمة المحمدية بين الأمم:

وقد وصف الله هذه الأمة بأنها الأمة الوسط، فقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة: ١٤٣] ، أي عدولًا خيارًا، ومن لازم وسطيتهم عدالتهم؛ ولذا صح أن يكونوا شهداء على الناس يوم القيامة؛ لأن الشاهد لا بد أن يكون عدلًا حتى تقبل شهادته، ووسطية هذه الأمة هي كونها على الحق بين باطل من غلا وباطل من جفا، إذ الحق وسط بين باطلين؛ باطل الغلو وباطل الجفاء٢.

قال شيخ الإسلام: "إن الإسلام وسط الملل بين الأطراف المتجاذبة.. فالمسلمون في صفات الله تعالى وسط بين اليهود الذين شبهوا الخالق بالمخلوق، فوصفوا الخالق بالصفات التي تختص بالمخلوق، وهي صفات النقص فقالوا: إن الله فقير، وإن الله بخيل، وإن الله تعب لما خلق العالم فاستراح، وبين النصارى الذين شبهوا المخلوق بالخالق، فوصفوه بالصفات المختصة بالخالق فقالوا: هو الله، والمسلمون وصفوا الخالق بصفات الكمال ونزهوه عن صفات النقص، ونزهوه أن يكون شيء كفوًا له في شيء من صفات الكمال، فهو منزه عن صفات النقص مطلقًا، ومنزه في صفات الكمال أن يماثله فيها شيء من المخلوقات.

وكذلك هم في الأنبياء وسط، فإن اليهود كما قال تعالى فيهم: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: ٨٧] . وكذلك كانوا يقتلون الأنبياء، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من


١ مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية للبريكان ص٣٩٣، ٣٩٢.
٢ انظر: الرسالة الصفدية لابن تيمية "٢/ ٣١٠"، والجواب الصحيح له "١/ ٧".

<<  <   >  >>