للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجمال البائس *: "١"

"وكيف يُشعَب صدع الحب في كبدي"، كيف يشعب صدع الحب؟

لعمري ما رأيت الجمال مرة إلا كان عندي هو الألم في أجمل صوره وأبدعها؛ أتُراني مخلوقًا بجرح في القلب؟

ولا تكون المرأة جميلة في عيني، إلا إذا أحسست حين أنظر إليها أن في نفسي شيئًا قد عرفها، وأن في عينيها لحظات موجهة، وإن لم تنظر هي إلي.

فإثبات الجمال نفسه لعيني، أن يثبت صداقته لروحي باللمحة التي تدل وتتكلم: تدل نفسي وتتكلم في قلبي.

كنت أجلس في "الإسكندرية" بين الضحى والظهر، في مكان على شاطئ البحر، ومعي صديقي الأستاذ "ح"** من أفاضل رجال السلك السياسي، وهو كاتب من ذوي الرأي، له أدب غَضّ ونوادر وظرائف؛ وفي قلبه إيمان لا أعرف مثله في مثله، قد بلغ ما شاء الله قوة وتمكنًا، حتى لأحسب أنه رجل من أولياء الله قد عُوقب فحُكم عليه أن يكون محاميًا، ثم زيد الحكم فجعل قاضيًا، ثم ضُوعفت العقوبة فجعل سياسيًا.

وهذا المكان ينقلب في الليل مسرحًا ومرقصًا وما بينهما, فيتغاوى فيه الجمال والحب، ويعرض الشيطان مصنوعاته في الهزل والرقص والغناء١، فإذا دخلته في النهار رأيت نور النهار كأنه يغسله ويغسلك معه، فتحس للنور هناك عملًا في نفسك.


* انظر قصة صاحبة الجمال البائس في "عود على بدء" من كتاب حياة الرافعي.
** الأستاذ حافظ عامر "بك".
١ انظر مقالة "لو ... " في الجزء الثاني، فقد كتبت عن هذا المسرح بعينه.

<<  <  ج: ص:  >  >>