للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله أكبر *:

جلستُ وقد مضى هَزِيع من الليل، أهيئ في نفسي بناء قصة أديرها على فتى كما أحب ... وخبيث داعر، وفتاة كما أحبَّتْ ... عذراء متماجنة؛ كلاهما قد درس وتخرج في ثلاثة معاهد: المدرسة، والروايات الغرامية، والسينما. وهو مصري مسلم، وهي مصرية مسيحية. وللفتى هَنَات وسيئات لا يتنزه ولا يتورع؛ وهو من شبابه كالماء يغلي، ومن أناقته بحيث لم يبق إلا أن تلحقه تاء التأنيث, وقد تشعبت به فنون هذه المدنية، فرفع الله يده عن قلبه لا يبالي في أي أوديتها هلك؛ وهو طلب نساء، دأبه التَّجْوال في طرقهن، يتبعهن ويتعرض لهن، وقد أَلِفَتْهُ الطرق حتى لو تكلمت لقالت: هذا ضرب عجيب من عربات الكَنْس!

وللفتاة تبرُّج وتهتُّك، يعبث بها العبث نفسه، وقد أخرجتها فنون هذا التأنث الأوروبي القائم على فلسفة الغريزة، وما يسمونه "الأدب المكشوف" كما يصوره أولئك الكتاب الذين نقلوا إلى الإنسانية فلسفة الشهوات الحرة عن البهائم الحرة. فهي تبرز حين تخرج من بيتها، لا إلى الطريق، ولكن إلى نظرات الرجال؛ وتظهر حين تظهر، مصوّرة لا بتلوين نفسها مما يجوز وما لا يجوز، ولكن بتلوين مرآتها مما يعجب وما لا يعجب.

وكلا اثنيهما لا يقيم وزنًا للدين، والمسلم والمسيحي منهما هو الاسم وحده؛ إذ كان من وضع الوالدين "رحمهما الله! "؛ والدين حرية القيد لا حرية الحرية؛ فأنت بعد أن تقيد رذائلك وضَرَاوتك وشرك وحيوانيتك, أنت من بعد هذا حر ما وسعتك الأرض والسماء والفكر؛ لأنك من بعد هذا مكمل للإنسانية، مستقيم على طريقتها؛ ولكن هب حمارًا تفلسف وأراد أن يكون حرًّا بعقله الحماري؛ أي: تقرير المذهب الفلسفي الحماري في الأدب، فهذا إنما يبتغي إطلاق حريته، أي: تسليط حماريته الكاملة على كل ما يتصل به من الوجود.

وتمضي قصتي في أساليب مختلفة تمتحن بها فنون هذه الفتاة شهوات هذا


* كتبها في الأسبوع الأخير من رمضان.

<<  <  ج: ص:  >  >>