للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوق الآدمية * الإسراء والمعراج:

من أعجب ما اتفق لي أني فرغت من تسويد هذا المقال ثم أردت نقله، فتعسر علي وصرفت عنه بألم شديد اعتراني، ونالني منه ثقلة في الدماغ؛ ثم كشفه الله بعد يوم فراجعت الكتابة، فإذا قلمي ينبعث بهذه الكلمات:

كيف يستوطئ المسلمون العجز، وفي أول دينهم تسخير الطبيعة؟

كيف يستمهدون الراحة، وفي صدر تاريخهم عمل المعجزة الكبرى؟

كيف يركنون إلى الجهل، وأول أمرهم آخر غايات العلم؟

كيف لا يحملون النور للعالم ونبيهم هو الكائن النوارني الأعظم؟

قصة الإسراء والمعراج هي من خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هذا النجم الإنساني العظيم؛ وهو النور المتجسد لهداية العالم في حيرة ظلماته النفسية؛ فإن سماء الإنسان تظلم وتضيء من داخله بأغراضه ومعانيه. والله -تعالى- قد خلق للعالم الأرضي شمسا واحدة تنيره وتحييه وتتقلب عليه بليله ونهاره، بيد أنه ترك لكل إنسان أن يصنع لنفسه شمس قلبه وغمامها وسحائبها وما تسفر به وما تظلم فيه. ولهذا سمي القرآن نورا لعمل آدابه في النفس، ووصف المؤمنون بأنهم {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد: ١٢] ، وكان أثر الإيمان والتقوى في تعبير القرآن الكريم أن يجعل الله للمؤمنين نورًا يشمون به.

وقد حار المفسرون في حكمة ذكر "الليل" في آية "الإسراء" من قوله -تعالى-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء: ١] . فإن السرى في لغة العرب لا يكون إلا ليلًا.


* أنشأها برأي صديقه الأستاذ محمود أبو ريه.

<<  <  ج: ص:  >  >>