للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العجوزان * "٢":

قال محدثي: ولما قلت لهما: أيها العجوزان، أريد أن أسافر إلى سنة ١٨٩٥ نظر إلي العجوز الظريف "ن"، وقال: يا بني، أحسب رؤيتك إياي قد دنت بك من الآخرة ... فتريد أن نلوذ بأخبار شبابنا؛ لتنظر إلينا وفينا روح الدنيا.

قال الأستاذ "م": وكيف لا تريه الآخرة وأكثرك الآن في "المجهول"؟

قال: ويحك يا "م"! لا تزال على وجهك مسحة من الشيطان هنا وهنا؛ كأن الشيطان هو الذي يصلح في داخلك ما اختل من قوانين الطبيعة، فلا تستبين فيك السن وقد نيفت على السبعين، وما أحسب الشيطان في تنظيفك إلا كالذي يكنس بيته..

قال "م": فأنت أيها العجوز الصالح بيت قد تركه الشيطان وعلق عليك كلمة "الإيجار".. فضحك "ن"، وقال: تالله إن الهرم لهو إعادة درس الدنيا، وفهمها مرة أخرى فهمًا لا خطأ فيه؛ إذ ينظر الشيخ بالعين الطاهرة، ويسمع بالأذن الطاهرة،


* الجمهور من أهل اللغة على أن "العجوز" وصف خاص بالمرأة إذا شاخت وهرمت، ولكن جاء في اللسان: "ويقال للرجل عجوز"، ونقله صاحب التاج عن الصاغاني، ونحن على هذا الرأي، ولو لم يأت فيه نص عن العرب لابتدعناه وزدناه في اللغة؛ ووجهه عندنا أن الرجل والمرأة إذا بلغا الهرم فقدا خصائص الذكورة والأنوثة، فلم يعودا رجلًا وامرأة، فاستويا في العجز، فكان الرجل قمينًا أن يشارك المرأة في وصفها، فيقع اللفظ عليهما جميعًا!
وإنما امتنع العرب أن يقولوا للرجل "عجوز"، وخصوا ذلك بالمرأة، تعسفًا وظلمًا وطغيانًا، كدأبهم مع النساء، فإذا شاخت المرأة فقد بطلت أنوثتها عندهم وعجزت عن حاجة الرجل وعجزت في كثير، ونفتها الطبيعة وبرأت منها؛ أما الرجل فبالخلاف؛ لأنه رجل؛ وإذا شاخ وبطل وعجز ولم يستطع أن يكابر في المعنى- كابر في اللفظ.. وأبى أن يقال إنه "عجوز"، وزعم أن ذلك خاص بالمرأة..
إلا أن هذا تزوير في اللغة، وإن كان للرجال عليهن درجة فذلك في أوصاف القدرة لا في أوصاف العجز!

<<  <  ج: ص:  >  >>