للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيطان وشيطانة *:

شغلني ما شغل الناس من حديث الجامعة المصرية وما أراده طلبتها من ورع يحجزهم عن محارم الله، ودين يخلص به الإيمان إلى قلوبهم، فلا يكون لفظ المسلم على المسلم كأنه مكتوب على ورقة؛ ثم ابتغوه من الفصل بين الشبان والفتيات، تطهيرًا للطباع ونوازع النفس، واتقاء لسوء المخالطة، وبعدًا عن مطية الإثم، وتوفيرًا لأسباب الرجولة على الرجل ولصفات الأنوثة على الأنثى.

وقرأت كل ما نشرته الصحف، واستقصيت وبالغت، ونظرت في الألفاظ ومعانيها ومعاني معانيها؛ وكنت قبل ذلك أتتبع باب "فلان وفلانة" في المجلات الأسبوعية التي تكتب عن حوادث الاختلاط في الجامعة وتسمى الأسماء وتصف الأوصاف وتذكر النوادر؛ فملأ كل ذلك صدري واجتمع الكلام يترجم نفسه إلي في رؤيا رأيتها وها أنذا أقصها:

رأيتني عند باب الجامعة وكأني ذاهب لأقطع باليقين على الظن، وقد علمت أن الظنة تقوم في حكمة التشريع مقام الحقيقية؛ لخفائها وكثرة وجودها؛ فإن كان في اختلاط الجنسين ما يخشى أن يقع فهو كالواقع....

ثم رأيت شيطانة قد خرجت من الجامعة ومضت تتبع أنفها تتشمم الهواء وتستروحه كأنه كأن فيه شيئًا، حتى مالت إلى خمر هناك* من ذلك الشجر الملتف عن يمين الطريق، فوقفت عنده تتنفس وتتنهد؛ ثم تبصرت فإذا شيطان


١ لما كتب المؤلف "رحمه الله" مقاله السابق في تحية شباب الجامعة، راح يتتبع ما نشر الصحف من حديث "فلان وفلانة" في مناهضة دعوة الطلاب؛ فوقع له من حديثهما ما أوحى إليه موضوع هذا فكتب يعرض بفلان وفلانة ويروي من خبرهما ويرد رده عليهما، وبعث به إلى الرسالة، ولكن صاحب الرسالة أبى عليه نشره، حفاظًا على ما بينه وبين فلان من صلات الود، وبقي المقال في مكتب المؤلف حتى غالته منيته!
وانظر ص١٣١ "حياة الرافعي".
* الخمر "بفتح الميم": ما واراك من شجر وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>