للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صعاليك الصحافة "٣":

ولم يلبث أن رجع أبو عثمان في هذه المرة وكأنه لم يكن عند رئيس التحرير في عمل وأدائه، بل كان عند رئيس الشرطة في جناية وعقابها؛ فظهر منقلب السحنة انقلابًا دميمًا شوه تشويهه وزاد فيه زيادات ... ورأيته ممطوط الوجه مطا شنيعًا بدت فيه عيناه الجاحظتان كأنهما غير مستقرتين في وجهه، بل معلقتان على جبهته ...

وجعل يضرب إحدى يديه بالأخرى ويقول: هذا باب على حدة في الامتحان والبلوى، وما فيه إلا المؤنة العظيمة والمشقة الشديدة؛ والعمل في هذه الصحافة إنما هو امتحانك بالصبر على اثنين: على ضميرك، وعلى رئيس التحرير! وسأل بعض أصحابنا أبا لقمان الممرور عن الجزء الذي لا يتجزأ ما هو؟ فقال: الجزء الذي لا يتجزأ علي بن أبي طالب عليه السلام. فقال له أبو العيناء محمد: أفليس في الأرض جزء لا يتجزأ غيره! قال: بلى، حمزة جزء لا يتجزأ ... قال: فما تقول في أبي بكر وعمر؟ قال: أبو بكر يتجزأ ... قال: فما تقول في عثمان؟ قال: ويتجزأ مرتين، والزبير يتجزأ مرتين ... قال: فأي شيء تقول في معاوية؟ قال: لا يتجزأ.

"فقد فكرنا في تأويل أبي لقمان حين جعل الأيام أجزاء لا تتجزأ إلى أي شيء ذهب؟ فلم نقع عليه إلا أن يكون أبو لقمان كان إذا سمع المتكلمين يذكرون الجزء الذي لا يتجزأ، هاله ذلك وكبر في صدره وتوهم أنه الباب الأكبر من علم الفلسفة، وأن الشيء إذا عظم خطره سموه بالجزء الذي لا يتجزأ"*.

قلت: ورجع بنا القول إلى رئيس التحرير ...

فضحك حتى أسفر وجهه ثم قال: إن رئيس التحرير قد تلقى الساعة أمرًا بأن الجزء الذي لا يتجزأ اليوم هو فلان؛ وأن فلانًا الآخر يتجزأ مرتين ... وأن المعنى الذي يبنى عليه رأي الصحيفة في هذا النهار هو شأن كذا في عمل كذا؛ وأن هذا الخبر


* هذه الجملة من كلام الجاحظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>