للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلسفة القصة ولماذا لا أكتب فيها ... ؟ *

لم أكتب في القصة إلا قليلًا، إذا أنت أردت الطريقة الكتابية المصطلح على تسميتها بهذا الاسم، ولكني مع ذلك لا أراني وضعت كل كتبي ومقالاتي إلا في قصة بعينها، هي قصة هذا العقل الذي في رأسي، وهذا القلب الذي بين جنبي ...

أنا لا أعبأ بالمظاهر والأغراض التي يأتي بها يوم وينسخها يوم آخر، والقبلة التي أتجه إليها في الأدب إنما هي النفس الشرقية في دينها وفضائلها، فلا أكتب إلا ما يبعثها حية ويزيد في حياتها وسمو غايتها، ويمكن لفضائلها وخصائصها في الحياة؛ ولذا لا أمسُّ من الآداب كلها إلا نواحيها العليا؛ ثم إنه يخيل إلي دائمًا أني رسول لغوي بعثت للدفاع عن القرآن ولغته وبيانه، فأنا أبدًا في موقف الجيش "تحت السلاح": له ما يعانيه وما يكلفه وما يحاوله ويفي به، وما يتحاماه ويتحفظ فيه، وتاريخ نصره وهزيمته في أعماله دون سواها؛ وكيف اعترضت الجيش رأيته فنَّ نفسه، لا فنك أنت ولا فن سواك؛ إذ هو لطريقته وغايته وما يتأدى به للحياة والتاريخ.

ألا ترى أن تلك الروايات توضع قصصًا، ثم تقرأ فتبقى قصصًا؟ وإن هي صنعت شيئًا في قرائها لم تزد على ما تفعل المخدرات؛ تكون مسكنات عصبية إلى حين، ثم تنقلب هي بنفسها بعد قيل إلى مهيجات عصبية؟

وأنا لا أنكر أن في القصة أدبًا عاليًا، ولكن هذا الأدب العالي في رأيي لا يكون إلا بأخذ الحوادث وتربيتها في الرواية كما يربي الأطفال على أسلوب سواء في العلم والفضيلة؛ فالقصة من هذه الناحية مدرسة لها قانون مسنون، وطريقة ممحصة، وغاية معينة؛ ولا ينبغي أن يتناولها غير الأفذاذ من فلاسفة الفكر الذين تنصبهم


* وجه إلينا سؤال: لماذا لا تكتب في القصة؟ وكان هذا قبل أن نكتب مقالاتنا في مجلة الرسالة، فرددنا بهذا الرد.
[قلت: وانظر ص١٨٩ من "حياة الرافعي"] .

<<  <  ج: ص:  >  >>