للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النجاح وكتاب سر النجاح ١:

ما خلق الله ذا عقل من بني آدم إلا أودع في تركيبه شيئين كالمقدمة والنتيجة، وأعطاه بهما القدرة على الوسيلة والغاية، "ليحيا من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة"، ففي تركيب الإنسان قوة الرغبة في النجاح وأن يتأتى إلى سره أو يبلغ منه أو يقاربه، وفي هذا التركيب عينه ما يهتك به هذا الحجاب ويفضي منه إلى هذا السر ويجمع بك عليه، وما أنكر أن النجاح قدر من الأقدار، ولكنه قدر ذو رائحة قوية خاصة به يستروحها من تحت السماء وهو لا يزال في السماء وبينه وبين الأرض أمد ودهر وأسباب وأقدار كثيرة، ولولا أن هذه الخاصية فيه وفي الإنسان منه لما توفرت رغبة في عمل ولا صح نشاط في الرغبة ولا توجه عزم إلى النشاط ولا توثقت عقدة على العزم.

غير أن في الإنسان كذلك ما يفسد هذه الخاصية أو يضعفها أو يعطلها تعطيلًا، فإذا هي تضل ولا تهدي وكانت تهدي ولا تضل، وإذا هي زائغة عن الحق ملتوية عن القصد وكانت هي السبيل إلى الحق وهي الدليل على القصد؛ وما ينال منها شيء إلا واحد من ثلاث: العجز، وضعف الهمة، واضطراب الرأي.

فأما العجز فمنزلة تجعل الإنسان كالنبات يرتفع عن الأرض بعوده ولكنه غائر فيها بأصول حياته، وأما ضعف الهمة فمنزلة الحيوان الذي لا هم له إلا أن يوجد كيفما وجد وحيثما جاء موضعه من الوجود؛ إذ هو يولد ويكدح ويكد ليكون لحمًا وعظمًا وصوفًا ووبرًا وشعرًا أثاثًا ومتاعًا، وكأنه ضرب آخر من النبات إلا أنه نوع آخر من المنفعة.

وأما اضطراب الرأي فمنزلة بين المنزلتين ترجع إلى هذه مرة وإلى هذه مرة وتقع من كلتيهما موقعها، والعجز وضعف الهمة واضطراب الرأي في لغة العقل معانٍ ثلاثة لكلمة واحدة هي الخيبة، وما أسرار النجاح إلا الثلاثة التي تقابلها وهي القوة والعزيمة والثبات.


١ المقطم: مايو سنة ١٩٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>