للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو تمام الشاعر: تحقيق مدة إقامته بمصر ١

لم يبق بد من أن نبلغ بالكلام في هذا المعنى إلى مقطع الحق فيه، وأن ننفذ بتحقيقه إلى خاصته، وننتهي من خاصته إلى برهانه؛ فإن علماء الأدب قديمًا وحديثًا ألقوا خبر أبي تمام كلامًا مرسلًا بحري في الرواية على طرقها المختلفة، لا على التاريخ في وجهِهِ المتعين، ويؤخذ على أنه خبر كالأخبار إن صدق فقد صدق وإن كذب فهو على ما يجيء؛ إذ لم يكن يعنيهم من الشاعر إلا شعره، يحملونه عنه أو يأخذونه من رواته، أو يجدونه في ديوانه؛ أما أخبار الشاعر فهي لا تتصل بالكتاب ولا بالسنة، فتجتمع لهم كما تجتمع ويتناولونها كما اتفقت بما دخلها من الكذب والتزيد والتلفيق، وما يكون فيها مما يظاهر بعضه بعضًا أو ينقض بعضه على بعض؛ والمحقق منهم من يروي الصدق والكذب معًا ليخرج من التبعة، فلا بد من تبعة في أحد النقيضين؛ وليبرأ بصدق أحدهما من كذب أحدهما كما صنع ابن خلكان في سياقه خبر أبي تمام وهذا نص عبارته:

كانت ولادة أبي تمام ... بجاسم وهو قرية بين دمشق وطبرية، ونشأ بمصر، قيل: إنه كان يسقي الماء بالجرة في جامع مصر، وقيل كان يخدم حائكًا يعمل عنده بدمشق وكان أبوه خمارًا بها.

والذين يعرفون طرق الرواية ومصطلحاتها يدركون من هذه العبارة أن ابن خلكان ينتفي من أن تكون عليه تبعة أحد الخبرين أو كليهما، فإن الرواية متى افتتح


١ لما أنشأ المؤلف مقاله عن شوقي "رحمه الله" غضب من غضب من أدباء مصر، وزعموا أنه يقصد الغض من مكانة "مصر الشاعرة"، ورماه من رماه في وطنيته، وحاول بعضهم أن يرد عليه رأيه في الشعر المصري بتعداد شعراء مصر العربية، واستتبع شيء شيئًا فجاء ذكر أبي تمام وما قالوا عن إقامته في مصر؛ فأنشأ المؤلف هذا المقال، وانظر ص١٤٦-١٤٧ "حياة الرافعي".

<<  <  ج: ص:  >  >>