للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في كثير مما وجهت عزيمتي إليه، ولكل ذلك أسباب: بعضها مما غرز في طبعي. وشيء منها مما دار حولي"١.

محمد عبده في طريق جمال الدين:

لم يشذ الشيخ محمد عبده في حركته الفكرية، عن أن يسير في ذات الطريق الذي سلكه جمال الدين الأفغاني، ولا عن الغاية التي وضعها هدفا له. كما اعتمد على نفس السند الذي اعتمد عليه أستاذه من قبل.

وليس من شك في أن الشيخ محمد عبده واحد من أولئكم الزعماء الذين وصفوا بالزعماء الوطنيين. وهم في واقع الأمر زعماء مقاومة الاستعمار الغربي، ومعارضة النفوذ الأجنبي في دائرة العالم الإسلامي "العربي"!! وهو لا يقل في التأثير على التوجيه القومي عن مواطن معاصر له مثل "مصطفى كامل"، صاحب تلك الحركة التي اتجهت إلى مقاومة الاستعمار الإنجليزي مباشرة في مصر، ورئيس الحزب الوطني السياسي في السنوات العشرة الأخيرة، من حياة الشيخ محمد عبده.

وإذا كان الشيخ محمد عبده قد ابتعد في الفترة الأخيرة من حياته التي تزعم فيها مصطفى كامل الحركة الوطنية في مصر، وإذا كان لم يشاركه في التوجيه السياسي القومي ضد الاستعمار الغربي في ذلك الوقت، مؤثرا تركيز نشاطه الخاص في الجانب العلمي والديني. فإن ابتعاده عن مجال هذا التوجيه السياسي القومي طوال هذه الفترة لا يحول دون أن يؤرخ له كصاحب دور رئيسي في توجيه الحركة الوطنية المصرية، التي برزت في الربع الأخير من القرن التاسع عشر.

أما سبب اعتكافه وتوفره على الجانب العلمي والديني، فلعله رأى أن العمل في هذا الجانب ليس متوفرًا لكثير من أصحاب النشاط في الجانب القومي والسياسي إذ ذاك، لعدم توسعهم الكافي والعميق في فهم المبادئ الإسلامية، والمصلحة الوطنية نفسها تقضي عندئذ بتوفره هو على ذلك. أو لعله رأى من تجاربه في الصراع الوطني السابق على الاحتلال البريطاني الرسمي ١٨٨٢م. ومن اختلافه مع عرابي وبعض رفاقه في طريقة الصراع


١ تاريخ الإمام محمد عبده ج١ ص١١, ١٢.

<<  <   >  >>