للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه من هذه الثملة ولم يزل يستدرجهم ويخلبهم بما أوتي من فضل اللسان والعلم بالجدل إلى أن سلبهم عقولهم بسحر بيانه. فلما حان رجوعهم إلى بلادهم سألوه عن أمره وشأنه فقال لهم (أنا رجل من أهل العراق وكنت أخدم السلطان ثم رأيت أن خدمته ليست من أفعال البر فتركتها وصرت أطلب المعيشة من المال الحلال فلما أر لذلك وجها ألا تعليم القرآن للصبيان، فسألت أين يأتي ذلك تأتيا حسنا، فذكر لي بلاد مصر.) (ونحن سائرون إلى مصر وهي طريقنا. فكن في صحبتنا إليها!) ورغبوا منه في ذلك فصحبهم في الطريق. فكان يحدثهم ويميل بهم إلى مذهبه ويلقي إليهم الشيء بعد الشيء إلى أن أشربت قلوبهم محبته فرغبوا منه أن يسر إلى بلادهم ليعلم صبيانهم. فاعتذر لهم بعد الشقة وقال: (أن وجت بمصر حاجتي أقمت بها وألا فربما أصحبكم إلى القيروان.) فلما وصلوا مصر غاب عنهم كأنه يطلب بغيته. ثم أجتمع بهم وسألوه فقال لهم: (لم أجد في هذه البلاد ما أريد.) فرغبوه أن يصحبهم فأنعم لهم بذلك. فكانوا في صحبته حتى وصلوا إلى القيروان فرادوه على أن يصل معهم إلى البلاد وضمنوا لهم ما أراد من تعليم الصبيان فقال لهم (لابد لي المقام بالقيروان حتى أطلب فيها حاجتي. فلما اتفق لي فيها غرضي وإلا نهضت إليكم.) وكان شيخهم أحرصهم عليه وأكرمهم له، فوصف له منزله وموضعه من قبيلة كتامة، فأقام بالقيروان يتعرف أخبار القبائل حتى صح عنده أن ليس في قبائل أفريقية أكثر عددا ولا أشد شوكة ولا أصعب مراما على السلطان، من كتامة.

فلما تقرر ذلك عده، نهض نحو صاحبه الشيخ الكتامي، فاشترى بغلة شهباء ودخل الطريق مع الفقة حتى قرب من موضع الشيخ صاحبه، فعدل إليه، ومر في الطريق بأندر، والبقر فيه تدرس الزرع ورجل كهل من أهل كتامة جالس فيه مع ابنه، فقرب منهما، وسلم عليهما. فقاما إليه ورحبا به، ورغبا منه في النزول

<<  <  ج: ص:  >  >>