للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثار عليه ثائر؛ فغزاه وظفر به. فبينا هو في الطريق، إذ نظر إلى الثائر، وهو على بغل في كبوله، وتحت الأمير عبد الرحمن فرس له؛ فلما لحقه، قنع رأسه بالقناة، وقال: (يا بغل! ماذا تحمل من الشقاق والنفاق!) فقال الثائر: (يا فرس! ماذا تحمل من العفو والإشفاق!) فقال: (والله! لا ذقت موتا على يدي!) فأطلقه.

ومن شعره البديع الرائق، ما كتب به إلى بعض من طرأ عليه من قريش؛ وكان قد استقل جرايته، واستطال بقرابته، وسأله الزيادة له والتوسعة؛ فكتب إليه بهذه الأبيات (بسيط) :

سِيَّانِ مَنْ قَام ذَا امْتعاضِ ... بِمُنْتَضَى الشَّفْرَتَيْنِ نَصْلاَ

فَجَابَ قَفْراً وشَقَّ بَحْراً ... مُسَامِياً لُجَّةً وَمَحْلاً

فَبَزَّ مُلْكاً وشَادَ عِزًّا ... ونَاثِراً للخِطَاب فَصْلاً

وَجَنَّدَ الجُنْدَ حِينَ أوْدَى ... ومَصْرَ المِصْرَ حينَ أجْلاَ

ثُمَّ دَعَا أَهْلَهُ جميعاً ... حَيْثُ أنْتَؤوا أنْ هَلُمَّ أهْلاَ

فَجَاء هذا طَريدَ جُوعٍ ... شَرِيدَ سَيْفٍ أبيدَ قَتْلاً

فَنَالَ أمْناً وَنَالَ شَبْعاً ... ونَالَ مالاً وحَازَ أهْلاَ

وذكر أن أيا جعفر المنصور قال يوما لبعض جلسائه: (أخبروني: من صقر قريش من الملوك؟) قالوا: (ذاك أمير المؤمنين الذي راض الملوك، وسكن الزلازل، وأباد الأعداء، وحسم الأدواء!) قال: (ما قلتم شيئا!) قالوا: (فمعاوية؟) قال: (لا!) قالوا: (فعبد الملك بن مروان؟) قال: (ما قلتم شيئا!) قالوا: (يا أمير المؤمنين! فمن هو؟) قال: (صقر قريش عبد الرحمن بن معاوية، الذي عبر البحر، وقطع القفر، ودخل بلدا أعجميا، منفردا بنفسه؛ فمصر الأمصار، وجند الأجناد، ودون الدواوين، وأقام ملكا عظيما

<<  <  ج: ص:  >  >>