للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومجتمع كفارهم، ونكايتهم في عقر دارهم، ومكان أمنهم؛ فأخذ في الحزم، وعهد بضبط مجنيات العسكر، وتقدم من فج المركوبر في أمكّ تعبئة وأهذب ترتيب، وذلك يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر؛ فدخلت الجيوش مواضع لم تدخل قبل ذلك، وأحرقت الحصون، وهدمت الديار، حتى نزل بقرية بشكونشة، التي إليها ينسب العلج، ومنها أصله؛ فهدمت مبانيها، أحرق كلُّ شئ كان فيها.

فجمع العلج شانجه كفرته، واستمد بنصرانيته من كل مكان، طمعا أن بغاث منه حتى توافى له جمع رجا أن يكافح المسلمين به؛ فتطلعت له خيل على تلك الأجبل المنيفة على العسكر، وذلك ليلة الأربعاء للنصف من شهر ربيع الآخر؛ فأمر الناصر - رحمه الله - بالتعبئة للرجال، وشك العسكر، وإتقان النظر؛ وصابح النهوض والتقدم لوجهته، واثقا بالله - عز وجل - ومتوكلا عليه؛ فسلكت الجيوش بين أجبل شامخة وشواهق منقطعة. ورجا أعداء الله مع ذلك بانتهاز الفرصة والاعتراض للمسلمين في مجنبة أو ساقة؛ فلما توسط الجيش بعض تلك المواضع المتضايقة على واد يعرف بوادي هيغة، هبطت للمشركين خيل من الأجبل؛ فحالت بينهم وبين أهل العسكر مناوشة يسيرة. فعهد أمير المؤمنين - رحمه الله - برفع المظل والتعبئة للحرب، ونهض المسلمون إلى أعدائهم نهوض الأسود؛ فعبروا النهر إليهم، وصمموا بالحملة عليهم، حتى اقتلعوهم عن موضعهم، وهزموهم، ووضعوا سيوفهم ورماحهم فيهم، حتى اضطروهم إلى مرتقى وعر وجبل منقطع؛ فتقحم المسلمون عليهم، وسهل الله وعره لهم؛ فقتلوا جملة منهم، وبسطت الأرض بأجسادهم. واستمرت الخيل المغيرة في بسيطهم؛ فأصابت الغنائم والسوام وضروب النعم، وانصرفوا سالمين، لم يصب منهم غير يعقوب بن أبي خالد التوبري، ونفر يسير من الحشم فازوا بالشهادة، وختم الله لهم بالسعادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>