للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والترتيب- إلى أن انتهوا منها، فبدأ وهو قاعد يتكلم بما انطوت عليه صحيفة أفكاره من المواضيع العديدة التي يصعب على أعظم رجال الخطابة استيعابها وإيرادها في مثل هذا المحفل العظيم. ولما بدأ بالكلام قام الحاضرون وقوفا- إعظاما وإجلالا له- فأشار إليهم أن اجلسوا لأن كلامي يستغرق وقتا طويلا لا أريد أن تتكبدوا فيه مشقة الوقوف. فجلسوا وأنصتوا ووقف بعض الكتاب والأدباء وبأيديهم القراطيس والأقلام يكتبون ما يفوه به بالحرف الواحد فقال:

[خطبة الأمير فيصل:]

«لا شك أنكم أيها السادة ترون منا أعمالا مهمة. إن حلب هي من أقاصي بلاد العرب، لم يتصل بأهلها ما وقع بيننا وبين الأتراك وما هو سبب قيامنا ضدهم.

إن الأتراك كانوا يشيعون أن الأشراف اتفقوا مع الدول الغربية على بيع البلاد لقاء دريهمات أخذوها منهم، وأخرجوا ضدنا فتاوى ربما اغترّ بها بعض البسطاء وصدّقها. فنقول في ردّ وبطلان ما زعمه الأتراك فيما شيعوه:

إن الدين الإسلامي نشأ بقدرة الله تعالى وانتشر بواسطة محمد النبي العظيم الذي تنسب إليه أسرتنا، فهل يتصور أحد أن أناسا يرضون بهدم ما بناه لهم جدّهم من المجد والشرف.

نحن لم نقم إلا لنصرة الحق وإغاثة المظلوم. ساد الأتراك ٦٠٠ سنة هدموا بخلالها صرح المجد الذي أقامه أجدادنا وأطفؤوا نار العرب، ولكنها لم تطفأ لأن العرب عاشت قرونا وأجيالا لم يتسنّ لغيرها من الأمم أن تعيش مثلها، وكانت العرب تنتظر الفرص لتنتهزها حين سنوحها. نحن العرب نمنا ٦٠٠ سنة ولكننا لم نمت. لما أعلن الأتراك النفير العام أتوا بأعمال تتبرأ منها الإنسانية ولا لزوم لعدّها. كانت العرب تطالب الأتراك بحقوقها فاغتنموا الفرصة التي مكنتهم من الانتقام من العرب.

رأى والدي أن دولة الترك ليست تعمل لأجل دين أو عمل عام ينفع البلاد، ولكنها أعلنت جهادها مع ألمانيا لمجرد الانتقام من العناصر الخاضعة لها مثل العرب. وتبيّن له أن مبادئ الحكومات الغربية المدنية هي مبادئ إنسانية، مبادئ خير، مبادئ نصرة الحق.

واتفق معهم- بعد الاتكال على قوة الله تعالى- لعلمه أنهم ينصرون الضعيف

<<  <  ج: ص:  >  >>