للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم:

٦- أبو عبد الله محمد بن الصايغ القرشي «١٣»

الأموي، أغزر من أغرف أدبا، وألّف في تحصيله دأبا، وأنقد من رأيت لمعنى، وأوقد من رضيت ذهنا. هو في اللغة إمام مبرّز بجميع كلام العرب، محرز مع نحو ما ترك منه شعبا، ولا خلّى من العربية ذلولا ولا صعبا. ملك نوافر الكلم حتى اقتاد جوامحها، وارتاد مسارحها، وسدّ في العروض خلل الخليل «١» ، وبرز على التبريزي في مصنّفه الخليل، وطرق قدامة بن الحاجب حاجبا، وانقطع ابن القطّاع وما أدّى واجبا، وركب بحوره ولم يخش الغرق، وأتى بقوافيه وما أزعجها في أماكنها القلق. وله في الصناعتين ما فاق الدرر، مفرطة وسلكا، ولم يخط خطوة منهما مخلوجة. وسلكيّ أدب ولذي وثب. فرائده لديّ طالما اجتنيت منه ثمرا واجتلبت منه بالمذاكرة سمرا. وهو ممن يأوي بالمرتبة إلى بيت عريق، وأصل مرواني أينع له غصن وريق، ذكر أنه من ولد هشام بن عبد الملك، وأنه من النسب الأموي في السنام لا في الورك، نسبة تداولتها ولاة بيته، ورواة بلده عن حيّه وميته. وها هو الآن بالقاهرة أحد أعلامها المطبب لسقام آلامها والمطنب في محاسن كلامها.

وما النيل من خلائقه الحسنى بأعذب، ولا المغناطيس من إبداعه بأجذب. ومن نثره قوله:

وقف الحجاح ووقفنا دون ما عهد إلينا ... وسعوا وسعينا فما تعود لائمته علينا

قوله:

نفروا وانقلبنا بالوزر عن الارتكاض ... وأفاضوا وأفضنا بقداح القدح في الأعراض

<<  <  ج: ص:  >  >>