للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتاب جالينوس، وهو يخاطبه بالإنجيل ويقول له: يا زين حنين، يعني: أيها المعلم!. فأعظمت ما رأيت، وتبين ذلك جبرائيل في وجهي، فقال: لا تستنكرنّ ما ترى من تبجيلي هذا الفتى، فو الله إن مدّ له في العمر ليفضحنّ الأول، ثم خرج حنين وتبعته، فوجدته ينتظرني، فسلم عليّ، وقال: كنت سألتك ستر خبري، والآن أسألك إظهاره، وإظهار ما سمعت جبرائيل يقوله فيّ. فقلت: إني مسوّد وجه ابن ماسويه بما سمعته. فقال: تمام سواد وجهه أن تدفع إليه هذه النسخة، ولا تعلمه من نقلها. فإذا اشتد عجبه بها أعلمه أنها إخراجي. ففعلت ذلك من يومي وقبل انتهائي إلى منزلي.

فلما قرأ ابن ماسويه تلك الفصول، وهي التي يسميها اليونان:" الفاعلات"، قال:" أترى المسيح أوحى في دهرنا هذا إلى أحد؟ ". فقلت له: ما أوحى المسيح في هذا الدهر ولا في غيره إلى أحد، ولا كان المسيح إلا أحد من يوحى إليه".

فقال له: دعني ليس هذا الإخراج إلا إخراج مؤيد بروح القدس. فقلت له: هذا إخراج حنين بن إسحاق الذي طردته، وأمرته أن يعمل صناعة الصيارف. فقال:

هذا محال. ثم صدّق القول، وسألني التلطّف في إصلاح ما بينهما، ففعلت.

وأفضل عليه أفضالا كثيرة، ثم لم يزل له مبجّلا. ثم لازم ابن ماسويه وأخذ عنه صناعة الطب، ونقل له كتبا كثيرة. ثم لما رأى المأمون في منامه كان شيخا بهيّا، جالسا على منبر وهو يخطب ويقول:" أنا أرسطوطاليس"، أحضر حنين بن إسحاق، وسأله عنه؟. فأخبره. فأمره بنقل كتب الحكماء إلى اللغة العربية، وبذل له أموالا جمّة، وقيل للخليفة إن ملك الروم ربّما دسّه عليك، فكان لا يأخذ بقوله بمفرده. ثم أراد اختباره، فخلع عليه وأعطاه خمسين ألف درهم، ثم قال له: إني أريدك تصف لي دواء أقتل به عدوّا لي سرّا. فقال: إنّي لم أتعلّم إلا الأدوية النافعة، وما علمت أمير المؤمنين يطلب مني غيرها، فإن أحبّ أن أمضي

<<  <  ج: ص:  >  >>