للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مفترعا لأبكاره وعونه، وكان يربأ بنفسه عن التمحض للاسترزاق بالطب، وكانت له بلة «١» من الرزق تعلّه، وقليل من متاع الدنيا يغنيه قله، ونشأت له عدة وافرة من التلاميذ، وتقدّموا واشتهروا باسمه وبانتسابهم إليه، وإلى اشتغالهم عليه، وهو والد الحكيم الفاضل غنائم الآتي ذكره والوافي كما يجب شكره.

ومنهم:

١٤٧- النفيس أبو الفرج ابن إسحاق بن أبي الخير السامري

طبيب جرى في مجالس جالينوس وتقدم، وإن جاء بعد اسفلنيوس، لو رآه الدخوار لخار، أو الرئيس صاحب الدلالة لحار، وابن التلميذ لتتلمذ لطبّه، أو الرحبي لرحّب به، وفقد حاسة بصره لا بصيرته، وحناه الكبر وهو على وثيرته، ولم يبق في وقته من أكابر الأطباء، إلا من كان يحسده على فضله، ولا يسعه إلا الاعتراف، فإذا أراد التنقّص به لا يجد سبيلا أكثر من أنه يقول إنه فقد حاسة البصر، وبها كان يرى السحنة التي يستدل بها، ويرى بها العلامات، وكان جل زمانه للإقراء والاشتغال في علم الطب وفروعه، والتوقيف على دقائقه، والإجادة في حسن التعليم والتفهيم، والتوقيف والتشقيف، فأنشأ أهل ذلك الجيل، وتخرّجوا عليه حتى تأهّلوا وبرعوا في الطب، وزكوا، وأذن لهم في الطب والتصرف وكلهم من عذبه الزلال استقوا، ومن شعبه ذي الأطلال ارتقوا. وكان النفيس ريّض الأخلاق، طويل الروح، كثير الاحتمال، كان للأمين سليمان رئيس الأطباء بمصر لفتات عليه، ويتنقّص به ويسمعه القبيح ويفاجئه بالصريح وهو لا يتأثّر، ولا يتقلّل بكلامه، ولا يتكثّر، وعلماء الدهر، وفضلاء العصر، كلهم

<<  <  ج: ص:  >  >>