للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنذر، فجاء حتى وقف وسلم عليه، فرد أبو يوسف بغير ذلك الوجه الذي كان يلقاه [به] ، ثم انحرف عنه، فدنا منه ابن جامع، وعرف الناس القصة، وكان ابن جامع جهيرا، فرفع صوته ثم قال: يا أبا يوسف، مالك تعرض عنّي؟ أي شيء أنكرت؟ قالوا لك إني ابن جامع المغني فكرهت مرافقتي «١» ، اسألك عن مسألة فاصنع «٢» ما شئت، وأقبل الناس نحوهما مستمعين، فقال: يا أبا يوسف، لو أن أعرابيا جلفا وقف بين يديك، فأنشدك بجفاء وغلظ من لسانه، فقال وحكى الأعرابي: «٣» [البسيط] .

يا دار ميّة بالعلياء فالسّند ... أقوت وطال عليها سالف الأبد

أكنت ترى بذلك بأسا؟ قال: لا، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سماع الشعر، وقد روي عنه الحديث. قال ابن جامع: فإن قلت [أنا] هكذا، ثم اندفع يغني فيه حتى أتى عليه، ثم قال: يا أبا يوسف، رأيتني زدت فيه أم نقصت؟ قال: عافاك الله، اعفنا من هذا، قال: يا أبا يوسف، أنت صاحب فتيا، هل زدته أم حسّنته بألفاظي فحسن في السمع، ووصل إلى القلب. ثم تنحّى عنه ابن جامع.

قال: دعا الرشيد يوما جعفر بن يحيى، وابن جامع عنده، فلم يزل يغنّيهم يومهما، ثم انصرفا، فلما كان من الغد، دخل إبراهيم الموصلي على جعفر بن يحيى، فسأله عن يومه فقال له: إنّه لم يزل ابن جامع يغنّينا إلا أنه كان يخرج عن الإيقاع- وهو في قوله هذا يريد أن يطيب نفس إبراهيم- قال، فقال إبراهيم:

أنت تريد أن تطيب نفسي بما لا تطيب، ألا بالله ما ضرط ابن جامع منذ ثلاثين سنة إلا بإيقاع، فكيف يخرج عن الإيقاع في الغناء؟

<<  <  ج: ص:  >  >>