للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت المغول لا تقدر على صعود تلك الجبال، ولا تعرف الحصار ومطاولة المعاقل والقلاع، فغلب طوائف الأتراك هنالك على كثير من تلك الممالك ولولا قوة شوكة التتار، وسطوتها التي عمت الأقطار، لاستولت على السهول مع الجبال، وأخذت بجنباتها من كل مكان.

مع أنها ملكت معظم البلاد إلا بقية حفظت المغل مطالع أفقها وأمسكت آخر رمقها، ودارت إذ ذاك طوائف الأتراك، ملوك المغل على ما غلبت عليه وبقى كل منهم يدخل في طاعتهم على أنه يسلم إليه، ولا يخرج بشيء من يديه، واستمرت أحوالهم معهم على الطاعة والعصيان، والتذكار والنسيان. حتى تهادت المدد، وخر رواق الدولة المغولية، أو وهي منه بعض العمد، فحينئذ ثبتت أقدامهم، ونبتت في مفارس الاستمرار أيامهم، ومنذ غلبوا على ما بأيديهم من الروم لصاحب كرمينان عليهم مزيد الفضل كما ذكرنا.

وكل واحد من هؤلاء الأتراك مستقل بمكانة مشتغل بشأنه وتبسطوا في جهاد من جاورهم من الكفار، وصار هذا دينهم، وبقى بينهم من التنافس ما يكون بين النظراء، ولهذا كاتبوا عظماء الملوك ليتقوا بمظاهرتهم ويطيروا بريح (المخطوط ص ١٨١) سعادتهم وأكثرهم كاتبوا سلاطيننا ملوك مصر رحم الله من مضى منهم، وحفظ من بقى وأدام حياة سلطاننا مالك ملوك الأرض، صاحب الدولة الملكية الناصرية، وخلد سلطانه خلود الليالي والأيام، ولا ذوا بهذه الأبواب العزيزة، وتطيعوا بالميل إلى هذه الدولة القاهرة حتى صارت المولاة في طباعهم كالغريزة، فاتخذوا ملوك مصر، نصرهم الله، لهم ظهرا، وعدوهم للحوادث ذخرا، حتى أن منهم من رغب في تقليد يكتب له بالنيابة فيما هو فيه، فكتب إليه وجهز بالصناجق والألوية، والأعلام والتشاريف التمام، والسيف المحلي والحصان المركوب والسرج الذهب، والعدة الكاملة والجنائب الطائلة، وما منهم إلا من تدخل وترامي، وانشرح مراما والأنعامات تغمرهم، والصدقات الشاملة تعمهم، وهم إلى يومنا هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>