للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من النساء، ولا حظي بمثلها أحد من الرؤساء، ولا سمع مثل شعرها إلا من الخنساء، وغلبت على هوى الرشيد غلبة أوهنت عرقه، وأوهنت حدقه، حتى كاد ينضب بها جدول أمّ جعفر، وتمر ماردة وتكفر، فنصبت لها أمّ جعفر أشراك الحيل، ومدت لها طوائل الطيل «١» ، وأقامت من أبي نواس لها قرنا منابذا، وراميا إليها سهما نافذا «٢» ، مقبحا لحسنها، ومبغضا لأجنها «٣» ، حتى سفّه رأي الرشيد، ونكّد فيها علة عيشه الرغيد.

قال أبو الفرج: نشأت باليمامة وتأدبت، وهمّ الرشيد أن يبتاعها، ثم منعه هجاء الشعراء لها، وكان ذلك بكيد من زبيدة، دخلت عليه وهي تتبختر، فقال لها: أتحبين أن أبتاعك؟ قالت: ولم لا أحب ذلك يا أحسن الناس خلقا وخلقا قال: أما الخلق فظاهر، وأما الخلق فما علمك به؟ قالت: رأيت شرارة قد طاحت من المجمرة حين جاء الغلام بالبخور إليك، فسقطت على ثوبك فأحرقته، فو الله ما قبضت لها وجها، ولا راجعت في جنايتها حرفا فقال لها: والله لولا أن العيون قد ابتذلتك لاشتريتك، ولكن لا يصلح للخلافة ما هذا سبيله، فاشتراها طاهر ابن الحسين.

وروى الأصمعي قال: بعثت إليّ أم جعفر أن أمير المؤمنين قد لهج بذكر عنان، فإن صرفته عنها فلك حكمك، قال: فالتمست وقتا لخطابه فأعوز، وكنت أهابه فلا أقدم عليه ابتداء، فرأيت يوما في وجهه أثر الغضب، فقال: هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>