للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفاضل حتّى أتته رسل السّلطان في طلبه، فلمّا أتاه شكا إليه العماد، وقال له:

اكتب جواب هذا الكتاب؛ فقال: والله ما أعرف ما أكتب فيه، لأن العماد كان يصدر هذه الكتب، ولا يعرفه سواه؛ ولم يزل يلطف الأمر حتّى قال: اطلبه؛ فبعث في طلبه، فلم يحضر، واعتذر، فعظّم الفاضل الأمر، وكرر الرّسل في طلبه وهو لا يحضر، فقال الفاضل: أنا أروح خلفه، وأتلطّف به، فو الله هذا باب ما يسدّه سواه؛ ثم ذهب إليه، فأطال المكث، ثم عاد إلى السلطان وقال: لقد حرصت به فلم يجب، ورأيته مقبلا على ما دخل فيه إقبالا ما أظنه بقي يخرج عنه، وما ضر السلطان لو زار الفقراء، وترضى عبده؛ ولم يزل به حتّى أتاه وترضّاه.

* ومن نثره قوله جوابا عن السّلطان في تفضيل دمشق «١» : عرفنا طيب الدّيار المصريّة ورقّة هوائها، ونحن نسلّم إليها المسألة في طيبها وتوفير نصيبها، ورقة نسيمها ورائق نسيبها، لكن هلّا رأت أن الشام أفضل، وأنّ أجر ساكنه أجزل، وأنّ القلوب إلى قبله أميل، وأن الزّلال البارد أعلّ وأنهل، وأن الهواء في صيفه وشتائه أعدل، وأن الزّهر به أشبّ، والنبت به أكهل، وأن الجمال فيه أكمل، وأن القلب به أروح، والرّوح به أقبل؛ ودمشق عقليته الممشوطة وعقلته المنشوطة، وحديقته الناضرة، وحدقته الناظرة، وهي عين إنسانه، بل إنسان عينه، وصيرفيّ نقوده، وعين نضاره ولجينه، فمستامها مستهام، وما على محبّها ملام، وما في رؤيتها ريبة، وفي كلّ جيرة منها حبيبة، ولكل شائب من نورها شبيبة، ومع كلّ ورقة ورقاء، وعلى كلّ معانقة من قدود البانات عنقاء، وشادي بانها على الأعواد يطري ويطرب، وساجعاتها بالأوراق تعجم وتعرب،

<<  <  ج: ص:  >  >>