للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهم سليمان بقتله، فمنعه من ذلك رجاء، ورفق به وشاغله، وقال له: سربنا نتفرج ونبرم أمرا يكون فيه هلاك الكنيسة وغيرها، فركبا، وأمر سليمان أن لا يتبعهما أحد، فلما فصلا من لد رأيا بيتا من الشعر مضروبا على ربوة من الأرض هي الآن موضع المصلى، وكان الحر قد اشتد، فقال له رجاء أعدل بنا إلى هذا البيت لتنظر من به، ونريح فيه إلى أن يبرد النهار، فقربا من البيت، وسلما على من فيه وهما لا يريان أحدا، فبرزت لهما منه امرأة ذات برقع ردت عليهما السلام بأحسن رد ولفظ، وسألتهما النزول عندها بلسان فصيح وعزم صحيح، فنزلا، وسألتهما أن يتخففا ويستريحا عندها، وأعجبهما فعلها، ونسى سليمان أمر البستان إعجابا بكرمها وعقلها، وسألاها عن اسمها فقالت: رملة وعرفتهما أن لها بعلا في ماشية اسمه لدّ، وعرضت عليهما الغداء واللبن، وقالت عندي اللبن الحلو واللبن الحامض والخبز الحار والخبز البارد، لأن إيثاري يخالف إيثار بعلى في الطعام، وأنا أعد له ما يؤثر، وأعد لنفسي ما أشتهيه، وقدمت لهما في كل شيء من ذلك، وثردت لهما، وقد ذهلا من حسنها وجمالها وأدبها وحسن فعلها في جميع ما تحاوله، وأقسمت عليهما ليأكلان، وقالت: لو جاز لي أن آكل معكما لفعلت، والطعام يدعو الكرام (المخطوط ص ٢٨٦) إلى نفسه، فأكلا ونظرا إلى ما حول البيت من الشجر والضياع وغير ذلك، فاستحسنا الموضع، وإشرافه على ما حوله من العمارة.

فقال رجاء لسليمان: لو أمرت ببناء دير ها هنا للنصارى ومسجد للمسلمين، وأمرت في النداء بالناس من أحب أن يكون في حمى من المسلمين والنصارى، فليبن دارا إلى جنب مسجده وديره، لصارت مدينة، ولتعطلت الكنيسة بالدير، وهذا الموضع أحسن من موضع لد، وأعلى، ففعل ذلك، وتبادر الناس من كل أدب من المسلمين والنصارى يحيطون المنازل والقصور على قدر

<<  <  ج: ص:  >  >>