للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتنقل ببرّه وإنعامه.

ولما فوّض إلينا الأمر بالشام في أخريات شعبان، سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، أبى إلا أن يحفظ عهدنا، وأن لا يقيم بمصر بعدنا، فجاء على آثارنا مستصحبا لحال المودة، مقضيا معنا عمره إلى آخر مدة. ثم منعه مانع الهرم أن يعود معنا إلى مصر، في جمادى الأولى من السنة القابلة، حين قلدنا بها ثانيا، وقعد عجزا لا توانيا، لفتور عزم قيد خطاه، وفند رأيه لحلول الأجل فما تخطاه.

وبلغنا على الأثر أنه غلب عليه سوء مزاج، لم يفد فيه حسن (٢٢١) علاج، إمضاء لإرادة الله في خلقه، وإفضاء به إلى نهاية أجله ورزقه.

وكان فاضل بيته، ومستدرك فوته، ناقلة لغة، وعاقلة أدب، مع إلمام بطرف كل فضيلة، وطرف ودّ أوى به إلى ضوء كل قبيلة.

فأما الشعر، فكان نبعته التي قرع بها القرناء، وصنعته التي ما خلا بعده لمن عاناها إلا العناء.

وله طرائف وظرائف. حكى عنه قريبنا القاضي جمال الدين، أبو محمد، يوسف بن رزق الله العمري، قال: اجتمعت به يوما في سماع، فرقص الناس ثم جلسوا، فأقامهم شخص استمع هو ورجال مثله، عليهم سيماء البادية، وطال الحال في الوقوف، وشهاب الدين ساكت لا يتكلم، وساكن لا يتحرك، فقال له رجل على سبيل الهزء به: مالي أراك ساكنا كأنه يرجى إليك؟ فقال: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ

«١»

<<  <  ج: ص:  >  >>