للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلافة المعتمد قد اعتقله لما خافه واعتمده حذرا أن يسابقه إلى الخلافة، وذلك لسعي إسماعيل بن بلبل الوزير بينهما بالنمائم، ووعى قلب الموفق عليه بالسمائم»

، وما شعر أن أمامه منصب الإمامة، وإن الخلافة لا ينبغي خلافه، وأن الملك معصم لا ينزل منه بغير سوار، ومعقل لاعلى منه بلا أسوار، فلبث في الاعتقال مضيقا عليه، في مكان أقصر من طول العقال، وبيض له المعتقل ليبهر نظره البياض، ويخطف بصره بالإيماض، حتى تحيل له مشرف العماير، فلبس سراويل أخضر «٢» ، ودخل المعتقل على أنه يتفقد العمارة، فتفقدها، ثم دخل الطهارة فنزع ذلك السراويل وخرج، فلما وجده المعتضد سر به وابتهج، فكان يدعه على عينيه، ويعده بينه وبين الحائط، وينظر إليه، فوجد بحوة «٣» لونه حفا لصحوة عينيه، ولم يكن عنده إلا فرد غلام لا يغني في رد كلام، وكان المعتضد يشغل وقته بمصحف يقرأ منه القرآن العظيم، ودعاء يقرع به باب السميع الكريم، ودخل عليه الوزير ابن بلبل يوما، والمعتضد يقرأ، فوضع إلى جانبه المصحف، وأخذ بأنه يخضع للوزير [ص ١٥٦] ويتلطف، وكان يدخل عليه ليجد ما ينم به، وينمي أحاديث كذبه، وكان الموفق قد خرج إلى الجبل فزاد خوف المعتضد من غرّة فيه تهتبل، وكان يتخوف دخوله عليه على غفلة، ويشفق لا يكاتب أباه عنه بكذب يعجل نقله، ويجعل نظره إليه نسله، ويخلي به مثله مثلة، فيأمر بقتله ولا يكشفه، ولا يجد من يثنيه عنه ولا يصرفه، قال المعتضد ما معناه: وكان ابن بلبل يجيئني في كل يوم مراعيا خبري، وساعيا في قص أثري، ويظهر أنه يتردد إليّ خدمة يؤديها، وإنما يردد نقمة يردّيها، فلما دخل عليّ ذلك اليوم قال: إيها، أعطني المصحف لأتفاءل لك إن كنت تبلغ مؤملك،

<<  <  ج: ص:  >  >>