للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غالب، إذا حاربوا شدوا دون النساء مآزرهم، وشد بصدق الحفيظة موازرهم، وأعمل الحيلة على مصعب، بكتب إلى أصحابه كتبها، وأعاجيب كذب كذبها [ص ٢٥٤] وكان الملتقى، فخذل مصعبا أصحابه، وخزل جمعه حتى خلت منهم رحابه، فتركوه وأسلموه، وخلوه لمضارب السيوف وسلموه، وكان عبد الملك يكنى بأبي الذباب لبخره، كانت لثته تدمى دائما فيتغير ريحها، وكان مظفرا على أعدائه، فإنه غلب في أيامه على عدة رجال أكابر كلهم كانوا في زمانه يبارونه في السلطان، مثل عبد الله بن الزبير، والمصعب أخوه، وعمرو بن سعيد الأشدق، وعبد الرحمن بن الأشعث، فكل واحد منهم ما قام له معه قائمة، وكلهم قتل وحكم قاضية، ومع هذا فلم ينفعه ولا أغنى عنه شيئا، حتى تمت أيامه، وأتاه حمامه، ويؤيد هذا خبر الرجل الذي ورد على معاوية وكان من أهل الكتاب والعلم بالحدثان، فقال له معاوية، أتجدني في شىء من كتاب الله، قال: أي والله، حتى لو كنت في أمة من الأمم لوضعت يدي عليك من بينهم، قال: فكيف تجدني، قال: أول من يحول الخلافة ملكا، والخشونة لينا، ثم إن ربك من بعدها لغفور رحيم، قال له معاوية: ثم يكون ماذا، قال: ثم يكون منك رجل شرّاب للخمر، سفّاك للدماء، يصطنع الرجال، ويحتجن الأموال، ويجنب الخيول، ويبيح حرمة الرسول، قال: ثم ماذا، قال ثم تكون فتنة تتشعب تقوم حتى يفضى الأمر إلى رجل أعرفه بعينه، يبيع الدار الآخرة الدائمة بحظ من الدنيا مخسوس فيجتمع عليه من آلك، وليس منك، لا يزال لعدوه قاهرا، وعلى من ناوأه ظاهرا، ويكون له قرين أمين مبين، قال: أفتعرفه إن رأيته، قال: أشد ما أراه من بني أمية بالشام، قال: ما أراه هاهنا، فوجهه إلى المدينة مع ثقات من قومه، فبينما هو يمشي في أزقة المدينة إذ رأى عبد الملك يلعب بطائر على يده، قال: ها هو ذا، ثم صاح به، أبو من، فقال: أبو الوليد، فقال: يا أبا الوليد، إن بشّرتك ببشارة تسرك ما [ص ٢٥٥] يكون لي عندك، فقال: وما

<<  <  ج: ص:  >  >>