للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد [ص ٣٢٣] ضعفت الخلافة ببغداد، ووهت قواها، ووهنت الدولة العباسية، حتى طمع فيها من سواها، فابرز عبد الرحمن ما عنده وباح، ومال علوه وكشف الغطاء واستراح، وأظهر التسمية بالخلافة، وسمي بأمير المؤمنين، وهو أول من تسمّى في الأندلس بها، وسما بالتحلي بلقبها، وكان رجل حزم، ورجل عزم، وبارق مضاء، وسابق قضاء، وبطل إقدام، وعطل مقدام، وسيف جلاد، وطيف رعب تجنه ضمائر بلاد، فلهذا قدح لهذا الرأي زنده، وفتح الباب لمن جاء بعده، ولم يكن في سباقه «١» من كشف هذا الغطاء، ولا كف عن ذروة السرير هذا الامتطاء، وإنما كان الواحد منهم، وإن عظم شأنه، وكرم سلطانه، لا يزيد في التسمية على الأمير، ولا يريد أكثر من هذا الخطاب المميز حتى اتخذها هذا الناصر عبد الرحمن عليه معلما، وأنطق بها لسانا وقلما، وسيرها في الآفاق كلما، وصيرها في الأندلس شبيهة بالعراق معلما «٢» .

وقد ترجم له صاحب المقتبس وقال: ذكر الدلالة على عظم شأن الخليفة الناصر في سلطانه، وإجرائه إلى الإيفاء على من تقدمه من الخلفاء، وجده في جمع الأموال وبذله لها في ابتغاء دول الآمال وتوسعه في إنجاب طبقات الرجال، وانتقائه منهم لجلة الوزراء المشاركين في الحال، وقسره لعويص الأشياء، وتفخيمه لصنائع البناء، وشد الفروج دون الأعداء، وتوقله لقلل الاعتداء، وكان لا يهيب خطرا يركبه، ولا يستكثر شيئا يهبه، وبنى المباني العجيبة، والمنارة البديعة، وشيد الخلافة بقرطبة، وعمل الناعورة «٣» المحكمة الصنعة المضروب بها المثل، والبيضاء والزهراء وغير ذلك مما ذكره، وفي ميزة هذه الناعورة قال أبو نهمان

<<  <  ج: ص:  >  >>