للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كسور دمشق، تنبو عنه العين.

ومن جهة أن المدينة موضوعة على جبل ممتد السهل الأعلى بحيث تمهدت فيه الشوارع، وترتبت الأسواق، وقسمة النهر المعروف بنهر الذهب «١» ، وعليه قناطر يعبر الناس عليها، وهواؤها من أجل ارتفاعها أطيب وأصح، ولها زيادة أنها في وسط الإقليم الرابع المعتدل، ودمشق في الثالث، ولها كونها مكشوفة من جهة الشمال لها جبل يفصل بينها وبين هبوب (ص ٣٧) النسيم الرطب ولها في الخبون جبل الثلج يهب منه في الصيف نسيم يتنسم منه روح الحياة، وهو الذي روّق أمزجة أهلها، وأكسبهم الألوان البديعة، من امتزاج الحمرة بالبياض، التي تخجل ورد الرياض، وتزيد عليها بأن المياه لا تنقطع منها صيفا ولا شتاء، لأن الأنهار تشقها وتدير الأرجاء، في داخل المسوّر، ودمشق محجوبة من الشمال منخفضة، إذا انقطع عنها الماء المجلوب لها في القنوات بقيت جيفة، وتزيد عليها غرناطة بكثرة الأنهار، فإن أنهار دمشق سبعة «٢» ، وأنهار غرناطة التي تنصب إليها من جبل الثلج أكثر من ذلك، وأن أنهار غرناطة تنصب من الجبل على رؤوسها في صخور، تحسن بتقطيعها عليها، وجريتها ما بين الجنادل والحصى. وأنهار دمشق تأتي بين دمن البساتين في أرض سهلة رخوة، فيقل ماؤها، ويحدث منه من الوخامة ما هو مشهور، وكان القاضي الفاضل يقول ماء دمشق يتخلّل منه أراد أن الأزبال التي تتخذ للبساتين تمتزج معه، لأن أنهار الغوطة تشق بكليتها بساتينها، وأنهار غرناطة تخرج منها مذانب تنقي في تصرفها، ويبقى جماهير الأنهار تتخلل مروج البسائط، وتزيد غرناطة على دمشق في الفرجة العظمى بأنها تاج مشرف على بسيط يمتد نحو يومين، لا ترى

<<  <  ج: ص:  >  >>