للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما أعرب نحو "أب، وأخ"؛ لضعف الشبه بكونه عارضا، فإنه أصلهما أبَوٌ وأخَوٌ، بدليل أبَوَانِ وأخَوَانِ.

والثاني: الشبه المعنوي١: وضابطه أن يتضمن الاسم معنى من معاني الحروف، سواء وضع لذلك المعنى حرف، أم لا.

فالأول: كـ "متى"، فإنها تستعمل شرطا، نحو: "متى تقم أقم" وهي حينئذ شبيهة في المعنى بإن الشرطية، وتستعمل أيضا استفهاما نحو: {مَتَى نَصْرُ الْلَّهِ} ٢ وهي حينئذ شبيهة في المعنى بهمزة الاستفهام.

وإنما أعربت أي الشرطية في نحو: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْت} ٣ والاستفهامية في نحو: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ} ٤؛ لِضعف الشبه بما عارضه من ملازمتهما للإضافة التي هي من خصائص الأسماء٥.


١ أي: أن يتضمن الاسم بعد وضعه في جملةٍ معنىً جزئيًّا زيادة على معناه المستقل الذي يؤديه في حال انفراده، وكان الحرف أولى بتأدية هذا المعنى الجزئي، فيكون الاسم قد خلف الحرف في ذلك. التصريح: ١/ ٤٨.
٢ سورة البقرة، الآية: ٢١٤.
موطن الشاهد: {مَتَى نَصْرُ الْلَّهِ} ؟
وجه الاستشهاد: مجيء "متى" في الآية الكريمة اسم استفهام وهي شبيهة في معناها بهمزة الاستفهام.
٣ سورة القصص، الآية: ٢٨.
موطن الشاهد: {أَيَّمَا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أي" في الآية الكريمة اسم شرط جازم معربا في محل نصب مفعولا به بفعل "قضيت"، وقدمت "أي" لأن لها الصدارة: وما: صلة، والأجلين، مضاف إليهما. وجملة فلا عدوان على ... " جواب أي.
٤ سورة الأنعام، الآية: ٨١.
موطن الشاهد: "أي".
وجه الاستشهاد: مجيء "أي" اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، و"الفريقين". مضاف إليه. وأحق خبر "أي" مرفوع" وأعربت أي الشرطية والاستفهامية؛ لِضعف الشبه فيهما بما عارض من ملازمتهما للإضافة التي هي من خصائص الأسماء.
٥ فإن قلت: فلماذا بنيت "لدن" مع أنها ملازمة للإضافة مثل أي؟ فالجواب عن ذلك: أن نذكرك أولا بأن للعرب في "لَدُن" لغتين: إحداهما الإعراب وهي لغة قيس، وعلى هذا يسقط هذا السؤال ويصبح كلام النحاة مستقيما وهو أن الإضافة التي هي من خصائص الأسماء، إذا لازمت كلمة، وكان في هذه الكلمة شبه للحرف عارض لزوم الإضافة شبه الحرف، فبقيت على ما هو الأصل في الاسم، وهو الإعراب.
واللغة الثانية في "لَدُن" البناء، وهي لغة عامة العربة، ويعتذر عن هذه اللغة بأن هؤلاء قد وجدوا في "لدن" شبها للحرف من جهة اللفظ؛ لأنهم قد قالوا فيها "لد" على حرفين، كما وجدوا فيها شبها معنويا؛ لأنها موضوعة لمعنى نسبي هو أول الغاية في الزمان أو المكان، ووجدوا فيها شبها استعماليا، وهو لزوم استعمالها في وجه واحد، وامتناع الإخبار بها أو عنها، بخلاف "عند" التي بمعناها؛ فإنها تجيء فضل، وتجيء عمدة، فلما وجدوها قوية الشبه بالحرف من عدة أوجه جنحوا إلى اعتبار هذا الشبه، ولم يبالوا بالإضافة.
حاشية يس على التصريح: ١/ ٤٩، ومغني اللبيب: ٢٠٧، ٢٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>