للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القصر بعد الآية ليس بصحيح، ولو قالوا بهذا فعليهم إثبات أن المسافر والمقيم كانا يتمّان بعد الهجرة إلى المدينة، ثم أنزل الله قصر صلاة المسافر في الآية بعد الهجرة إلى المدينة في السنة الرابعة، وأما نحن فنقول: بعد تسليم الآية في القصر في العدد، وأن المسافر كان يصلي ركعتين بعد الهجرة، ثم نزلت الآية بعد كون الحكم مشروعاً، كما في آية الوضوء نزلت بعد العمل بالوضوء بأزيد من عشرين سنة، أو نقول: إن أول الآية ـ أي قصر العدد ـ تمهيد لبيان صفة صلاة الخوف، ومن البداهة أن المقدمة الممهدة تكون معلومةً قبل، فإذن إطلاق القصر على صلاة المسافر ليس بحقيقة، بل توسع، فالحاصل أن دعواكم أن قصر صلاة المسافر بعد نزول الآية، وكانت قبل إتماماً يرده حديث عائشة، ثم أجاب الحافظ في الفتح: بأن مراد حديث عائشة: (وأقرت صلاة السفر. . الخ) أي لمن أراد القصر، ثم قال: كانت صلاة المقيم والمسافر أربعاً في المدينة، ثم نزلت الآية لقصر العدد في السنة الرابعة، فيلزم إذن تسليم النَّسخين في حكم واحد، أي في صلاة المسافر، ويتجنب العلماء من النَّسخين في حكم واحد مهما أمكن، وأيضاً قول الحافظ نافذ في محمل الحديث لكنه يجب أن يكون له أصل بجميع أجزاءه، والحال أنه لا مرفوع ولا أثر ولا أصل يدل على أن صلاة المسافر كانت أربعاً في المدينة، ولا تمسك بلفظ القرآن: (أن تقصروا. . إلخ) ، فلا يصح به لما ذكرت أولاً أنه بيان حكم سابق، أو تمهيد حكم قصر الصفة، وتوارد الروايات يدل على أن قول الحافظ مستبعد، فإن في كتاب الطحاوي ص (٢٤٥) عن عمر: (صلاة السفر ركعتان تمام ليس بقصر على لسان نبيكم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . الخ) ، فدل على نفي الأربع في حق المسافر، وفيه عن ابن عمر وابن عمرو بن العاص مرفوعاً: (صلاة السفر ركعتان هي تمام. . إلخ) ، وفي سنده جابر الجعفي، وفيه عن عمر لفظ شديد، قال بعد

ذكر قصر الصلاة: (من خالف السنة فقد كفر. . الخ) وأدلتنا محصاة في موضعها.

قوله: (لأَتممتُها) أي إنها لو شرعت لكان إتمام الفريضة أولى، فهذا يدل على أن القصر قادح في السنن، فجواب هذا القدح ما ذكره النووي في شرح مسلم ص٢٤٢: فجوابه أن الفريضة متحتمة، فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها، وأما النوافل فإلى خيرة المكلف، فالرفق به أن تكون مشروعة ويتخير إن شاء فعلها وحصل ثوابها، وإن شاء تركها ولا شيء عليه الخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>