للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تدل على التخصيص؛ ثم يمكن لأحد أن يدعي أن الغرض لا يجب أن يتعين في ما قلتم، لمَ لا يجوز أن يكون الغرض غيره، أقول: يؤتى البيان على ذلك الغرض، وعندي محملان آخران لحديث «لا نكاح إلا بولي» إلخ، أذكر أحدهما في آخر الباب، وتمسك أصحابنا على المذهب بحديث سيأتي «البكر تستأذن» إلخ؛ وسأذكر الاستدلال به ويرد على الحجازيين حديث الباب، فإنه يدل على أن الضروري إذنه، وفيه «فلها المهر بما استحل» إلخ، فإن تفريع المهر يدل على أن النكاح صحيح، فقالوا: إن المهر لشبهة النكاح، أقول: إثبات الحكم بالشبهة يفيدنا في مسألة أخرى وهي أن من نكح بمحرمته فلا حد عليه من الجلد أو الرجم، وإن كان هذا أشد من الزنا فإنه فيه شبهة النكاح، وأما ما في حديث عائشة فنكاحها باطل؛ فقيل: إنه على شرف البطلان وإن الباطل بمعنى مالا فائدة فيه: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً} [آل عمران: ١٩١] ألا كل شيء ما خلا الله باطل، ورجل بطال (بيكار) ، أو يقال: إن هذا الحديث فيما تزوجت بمهر أقل أو في غير كفئها لأنها لو تزوجت في الكفاءة وبتمام الصداق فالغرض حاصل، فإذا تزوجت في غير كفئها أو بمهر أقل ففي ظاهر الرواية لنا أن النكاح صح لكنه يجوز للأولياء فسخ نكاحها برفع القضية إلى القاضي، وفي رواية عن حسن بن زياد أن هذا النكاح باطل من الرأس وأفتى بها المتأخرون، وأفتى بها السرخسي، فإذن لا ضير علينا في لفظ باطل، وأيضاً لفظ «وإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» إلخ يفيدنا في أن إذن الولي ليس لكون الإذن حقه بل نظراً للمولية ونقول أيضاً: إن الزهري راوي حديث عائشة ومذهب الزهري موافق لمذهب أبي حنيفة، وأما أدلتنا فمنها ما في الطحاوي ص (٥) ج (٢) أن عائشة أنكحت حفصة بنت أخيها بابن أختها وكان أبو حفصة عبد الرحمن بالشام وما كانت عائشة وليتها، وقال الحجازيون: إن عائشة لم تنكح بعبارتها بل هيأت الأمر

من الرضاء وغيره ثم حولت أمر الإيجاب والقبول إلى الرجال كما في الطحاوي ص (٦) ج (٢) ، قال الطحاوي: إن هذا لا يفيدهم فإن هؤلاء الرجال لم يكونوا أولياء وكلامنا في الأولياء، ومن أدلتنا على أن الغرض إذن الولي ورضاؤه ولا يجب عبارته ما أخرجه في معاني الآثار ص (٧) ج (٢) أنه أراد أن ينكح أم سلمة فقال لها، قالت: ليس أحد من أوليائي حاضراً، قال: ليس أحد من أوليائك حاضراً ولا غائباً إلا ويرضاني إلخ، فدل على أن العبارة من الأولياء ليس بضروري بل يكفي إذنهم، فقيل في جواب هذه الرواية: إن المنكح عمر بن أبي سلمة وكان ولياً وعمره أزيد من ثلاث سنين، وقيل: إن عمر هذا كان عمر الفاروق وكان وكيلهما والوكالة جائزة عند الشافعية أيضاً، وقيل: ما أنكح عمر بل أنكح سلمة أخوه الأكبر، أقول: كيف ما قيل الحديث؛ وقوله دال على أن الغرض رضاء الولي، ومما يدل على عدم ضرورة العبارة ما في موطأ مالك ص (٢١٦) : وكان أهلها غائباً إلخ، وفيه قال لها: «قد حللت فانكحي من شئت» إلخ، والحديث مرفوع ويجوز لها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النكاح بدون حضور الأولياء، وما تمسك أحد من الأحناف بهذا الحديث، والله أعلم وجه عدم تمسكهم بهذا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>