للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: موقف الشيخ الأمين -رحمه الله- من القدرية النفاة]

بين الشيخ الأمين -رحمه الله- معتقد القدرية في أفعال العباد موضحا أنهم وقعوا في الإفراط في هذا الباب بإنكارهم القدر وجعلهم العبد مستقلا بكلّ ما يفعل، ليس لمشيئة الله دخل في ذلك١؛ فقال -رحمه الله- في معرض الردّ عليهم: "ومن أعظم الأدلة القطعية الدالة على بطلان مذهب القدرية، وأنّ العبد لايستقل بأفعاله دون قدرة الله ومشيئته: أنه لا يمكن لأحدٍ أن ينكر علم الله بكل شيء قبل وقوعه، والآيات والأحاديث الدالة على هذا لا ينكرها إلا مكابر. وسبق علم الله بما يقع من العبد قبل وقوعه برهان قاطع على بطلان تلك الدعوى. وإيضاح ذلك: أنك لو قلت للقدري: إذا كان علم الله في سابق أزله تعلق بأنك تقع منك السرقة أو الزنا في محلّ كذا في وقت كذا، وأردت أنت بإرادتك المستقلة في زعمك دون إرادة الله ألا تفعل تلك السرقة أو الزنا الذي سبق بعلم الله وقوعه، فهل يمكنك أن تستقلّ بذلك؟ وتصير علم الله جهلا بحيث لا يقع ما سبق في علمه وقوعه في وقته المحدد له؟ والجواب بلا شك هو: أنّ ذلك لا يمكن بحال؛ كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ٢، وقال الله تعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} ٣. ولا إشكال البتة في أنّ الله يخلق للعبد قدرة وإرادة يقدر بها على الفعل والترك، ثمّ يصرف الله بقدرته وإرادته قدرة العبد وإرادته إلى ما سبق به علمه فيأتيه العبد طائعا مختارا غير مقهور


١ انظر معارج الصعود ص٢٩٧.
٢ سورة الإنسان، الآية [٣٠] .
٣ سورة الأنعام، الآية [١٤٩] .

<<  <  ج: ص:  >  >>