للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان يراسل ابنتك ويواصلها، وهو قائل فى ذلك أشعارا يشهّرها بها فى العرب، فيفضحها ويفضحك. فبعث إليه القيصر حينئذ بحلّة وشى مسمومة منسوجة بالذهب، وقال له: إنى أرسلت إليك بحلتى التى كنت ألبسها تكرمة لك، فإذا وصلت إليك فالبسها باليمن والبركة، واكتب إلىّ بخبرك من منزل منزل. فلما وصلت إليه لبسها واشتد سروره بها، فأسرع فيه السم وسقط جلده، فلذلك سمّى ذا القروح، وقال فى ذلك:

لقد طمح الطمّاح من بعد أرضه ... ليلبسنى مما يلبّس أبؤسا (١)

فلو أنها نفس تموت سويّة ... ولكنها نفس تساقط أنفسا

فلما صار إلى بلدة من بلاد الروم تدعى أنقرة احتضر بها، فقال:

رب خطبة مسحنفره ... وطعنة مثعنجره (٢)

وجفنة متحيّره ... حلّت بأرض أنقره (٣)

ورأى قبر امرأة من أبناء الملوك ماتت هناك فدفنت فى سفح جبل يقال له عسيب فسأل عنها، فأخبر بقصتها فقال:

أجارتنا إن المزار قريب ... وإنى مقيم ما أقام عسيب

أجارتنا إنا غريبان هاهنا ... وكلّ غريب للغريب نسيب

ثم مات فدفن إلى جنب المرأة، فقبره هناك! ».

وهذه الأخبار عن امرئ القيس بعد مقتل أبيه ومصيره رويت فى جملتها عن ابن الكلبى المتهم فيما يرويه، والتلفيق فيها بين واضح. ويمكن أن يكون لها أصل، تشهد به الحوادث، وهو أن يكون امرؤ القيس حاول عبثا استرداد ملك آبائه، ولكنه مات دون تحقيق غايته. ومن الممكن أيضا أن يكون قد حاول اللجوء إلى الحارث بن جبلة الغسانى وأنه أوصله إلى جوستنيان فى القسطنطينية، غير أنه مات فى الطريق.

ومن المحقق أن قصة ثأر جوستنيان لشرفه منه قصة منتحلة، نسجها القصاص حين


(١) يريد بالأبؤس مالبسه من الحلة المسمومة.
(٢) مسحنفرة: مسهبة، مثعنجرة: سائلة.
(٣) جفنة متحيرة: ممتلئة طعاما ودسما.

<<  <  ج: ص:  >  >>