للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن شجاعته وأنه لا يرهب زوج من يغازلها ولا تهديده، يقول:

أيقتلنى والمشرفىّ مضاجعى ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال

وهى صورة طريفة، لأنها تقوم على التخييل والوهم. ويخرج إلى وصف فرسه فيشبهه بالهراوة أو العصا فى ضموره وصلابته، ويقول إنه ذعر به قطيع بقر، يجرى البياض والسواد فى سيقانه، حتى لكأنها وشى برود يمانية بديعة. ويعود إلى فرسه، فيشبهه بعقاب تنقض انقضاضا على فريستها، ويقول إن هذه العقاب تصيد الطير وتحمله إلى وكرها، فتأكله إلا قلوبه، فمنها الطرى الغضّ، ومنها الجاف المتقبض، ويعمل خياله، وما هى إلا أن يقول:

كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العنّاب والحشف البالى

وواضح أنه يشبه القلوب الرطبة بالعناب واليابسة بالحشف البالى أو التمر الردئ الجاف، وهو تشبيه كان القدماء يعجبون به لأن امرأ القيس استطاع أن يلائم ملاءمة خيالية بين أشياء متعددة. ويروى عن بشار أنه قال: ما زلت أحسد امرأ القيس على جمعه فى هذا البيت بين تشبيه شيئين بشيئين، حتى قلت:

كأن مثار النّقع فوق رءوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه (١)

فجمعت فيه بين ثلاثة وثلاثة (٢).

ولعلنا لا نبعد بعد ذلك كله إذا قلنا إن امرأ القيس هو الذى ألهم الشاعر العربى على مر العصور فكرة التشبيه، بل هو الذى وجهه إلى الإسراف فى استخدامه، حتى عندّ ذلك ضربا رشيقا من ضروب الزخرف والبديع (٣). وبجانب هذا التشبيه نجد عنده بعض أمثلة للاستعارة المكنية والتصريحية، وهو يأتى بها فى قلة، من ذلك قوله فى المعلقة يخاطب الليل:

فقلت له لما تمطّى بصلبه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل


(١) النقع: الغبار.
(٢) الأغانى (طبعة دار الكتب) ٣/ ١٩٦.
(٣) انظر كتاب البديع لابن المعتز (طبعة كراتشكوفسكى) ص ٥٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>