للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ساءت العلاقات بينه وبين قباذ ملك الفرس فى أوائل حكمه، ولعل ذلك يرجع إلى أن قباذا اعتنق المزدكية واتخذها دينا رسميا للدولة وحاول أن يفرضها على المناذرة فأبى المنذر، فعزله وولى مكانه الحارث بن عمرو أمير كندة، ولكن الأمور سرعان ما تطورت فتوفّى قباذ وخلفه كسرى أنو شروان وكان يكره المزدكية والمزدكيين، فأعاد المنذر إلى حكم الحيرة، ونشبت بينه وبين الحارث الكندى وأبنائه سلسلة حروب قضت عليهم جميعا. وربما كان من أسباب القضاء عليهم استيلاء الحبش على اليمن وانحلال ملك الحميريين هناك منذ سنة ٥٢٥. ومهما يكن فقد تحولت قبائل نجد وشرقى الجزيرة إلى الحيرة، فدان معظمها للمنذر بالولاء، ويظهر أنه مدّ سلطانه إلى عمان كما تحدثنا بذلك الأخبار. وقاد منذ عاد إلى عاصمته سنة ٥٢٩ حروبا طاحنة ضد الغساسنة والبيزنطيين كتب له النصر فى كثير منها، ونستطيع أن نقف على مدى انتصاراته فى هذه الحروب من معاهدة عقدت بين البيزنطيين والفرس سنة ٥٣٢ أدّوا له فيها ما أدوه للفرس من أموال. واشتهر بين العرب بأن كان له يومان: يوم نعيم ويوم بؤس، فكان أول من يطلع عليه فى اليوم الأول يعطيه مائة من الإبل، وأول من يطلع عليه فى اليوم الثانى يقتله، وممن قتله فى هذا اليوم المشئوم عبيد بن الأبرص، ويقولون إنه راجع نفسه، فأقلع عن هذه العادة السيئة. ويقال أيضا إنه قتل-وهو ثمل-نديمين له، فلما صحا من سكره وعرف ما قدمت يداه ندم وأمر ببناء صومعتين عليهما، وهما الغريّان اللذان يذكران فى أشعار العرب. وقد يكون هذا كله من باب الأسطورة، وربما كان الغريان نصبين من الأنصاب التى كان العرب الوثنيون يهرقون دماء الأضحيات والذبائح عندها. وما زال المنذر يشن الحرب على الغساسنة حتى قتل فى يوم حليمة كما أسلفنا

وخلفه ابنه عمرو بن هند (٥٥٤ - ٥٦٩ م) وينسب إلى أمه دير فى الحيرة، وربما كانت نصرانية، أما هو فكان وثنيّا على دين آبائه، وكان طاغية مستبدا، وفيه يقول أحد الشعراء (١):

أبى القلب أن يهوى الدّير وأهله ... وإن قيل عيش بالدّير غرير


(١) أغانى (طبعة الساسى) ٢١/ ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>