للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والروم، ويقال إنهم كانوا يصيفون فى الطائف ويشتون فى جدة، ونجد فى سورة الزخرف استهزاء بمن ينشّأ فى الحلية والزينة (١). ويقال أيضا إن عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم دفن فى حلّتين قيمتهما ألف مثقال من الذهب (٢). ومن يقرأ أخبار قوافلهم التجارية يخيل إليه أن مكة كانت قافلة كبيرة مقيمة، تخرج منها القوافل إلى الجنوب والشمال والشرق، ودعاهم ذلك إلى أن يعقدوا معاهدات بينهم وبين القياصرة (٣) والنجاشيين والأكاسرة (٤)، كما دعاهم إلى عقد معاهدات بينهم وبين القبائل التى كانوا يمرون بها فى طرقهم التجارية (٥).

ولكن هذا جميعه ينبغى أن لا يجعلنا نبالغ مبالغة لامنس، فنظن أن مكة كانت جمهورية بالمعنى الكامل للجمهورية، فمع نمو العلاقات التجارية والاقتصادية فيها كان مجتمعها قبليّا، فهو لا يعدو اتحاد عشائر ارتبط بعضها ببعض فى حلف لغرض سدانة الكعبة من جهة والقيام على تجارة القوافل من جهة أخرى. ولا سلطان لعشيرة على عشيرة، بل كل عشيرة تتمتع بالحرية التامة ولا طاعة عليها لأحد، وكل ما هناك أن اشتراكهم فى مصلحة واحدة خفف من غلواء هذه الحرية، ولكنه تخفيف لا يخرج بنظام الجماعة القرشية عن النظام المعروف فى القبائل الجاهلية، ووجود ملأ فيها أو مجلس شيوخ لا ينقض هذه الحقيقة. إذ لم يكن عمله يعدو عمل مجالس القبائل، فقد كان فى كل قبيلة مجلس يتكون من رؤساء العشائر، ينظر فى شئونها حسب قوانين العرف والعادة، ولكنه لم يقض على حرية الأفراد، فقد كان كل فرد متمتعا بحريته، مع شعوره بحقوق الجماعة أو حقوق القبيلة. وهذا نفسه هو النظام الذى كان سائدا فى مكة قبل الإسلام، فللفرد حريته وللجماعة عليه حقوق لا تتناقض مع هذه الحرية.

وإلى الجنوب الشرقى من مكة على بعد خمسة وسبعين ميلا تقوم الطائف على ارتفاع يبلغ نحو ستة آلاف قدم وسط رياض وبساتين تجعلها أشبه ما تكون بقطعة من رياض الشام، وجعلها ارتفاعها طبيعة الهواء، فكان القرشيون كما قدمنا يصطافون فيها حيث يجدون كل الثمرات كما يجدون الخمر الصافية. وكانت


(١) سورة الزخرف، آية رقم ١٨.
(٢) تاريخ اليعقوبى (طبعة أوربا) ٢/ ١٣.
(٣) اليعقوبى ١/ ٢٨٠ والطبرى (طبعة أوربا) ١/ ١٠٨٩.
(٤) اليعقوبى ١/ ٢٨٢ والطبرى نفس الصفحة السابقة.
(٥) اليعقوبى ١/ ٢٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>