للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى معلقة لبيد وصف بارع لأتن وحمارها، ثم لبقرة وحشية تعقبها الرماة بنبلهم، ولما يئسوا أن يصيبوا منها مقتلا أرسلوا فى إثرها جوارح الكلاب فنشبت معركة حامية قتلت فيها البقرة كلبتين هما كساب وسخام، يقول:

حتى إذا يئس الرماة وأرسلوا ... غضفا دواجن قافلا أعصامها (١)

فلحقن واعتكرت لها مدريّة ... كالسّمهريّة حدّها وتمامها (٢)

لتذودهنّ وأيقنت إن لم تذد ... أن قد أحمّ مع الحتوف حمامها (٣)

فتقصّدت منها كساب فضرّجت ... بدم وغودر فى المكرّ سخامها (٤)

ولأوس بن حجر قصيدة فائية (٥) وصف فيها حمار الوحش وصفا بديعا، ثم وصف الصائد وصفا مسهبا، أرانا فيه ناموسه وكيف كان يختبئ للوحش على عين، حتى إذا ورد الحمار ختله بسهمه، غير أنه أخطأه.

ويظهر أن صيد الوحش لم يكن هم شجعانهم وفرسانهم، إنما كان هم فقرائهم ومعوزيهم، ولذلك كان يأتى فى المرتبة الثانية من غزوهم ونهبهم اللذين يدلان على بطولتهم واستبسالهم، ولعل ذلك ما جعل عمرو بن معد يكرب يهجو قوما بأنهم يعيشون على الصيد، إذ يقول (٦):

أبنى زياد أنتم فى قومكم ... ذنب ونحن فروع أصل طيّب

نصل الخميس إلى الخميس وأنتم ... بالقهر بين مربّق ومكلّب (٧)

حيد عن المعروف سعى أبيهم ... طلب الوعول بوفضة وبأكلب (٨)

وكما كانوا يصيدون الوعول أو الماعز الجبلى كانوا يصيدون الوحش، ويتردد وصفهم له فى أشعارهم ترددا واسعا، وهو تردد أتاح للجاحظ فى حيوانه سيولا من هذه الأشعار.


(١) الغضف: الكلاب المسترخية الآذان، الدواجن: الضاريات وقيل المعلمات، وقافلا: يابسا، والأعصام: قلائذ من أدم تجعل فى أعناق الكلاب.
(٢) اعتكرت: رجعت وعطفت، والمدرية القرون الحادة، والسمهرية: الرماح.
(٣) الحمام: الموت، وأحم: حان.
(٤) تقصدت: قتلت من قولهم رماه فأقصده.
(٥) انظر ديوانه بتحقيق محمد يوسف نجم (طبع دار صادر ببيروت) رقم ٣٠.
(٦) حيوان ٢/ ٣٠٩.
(٧) الخميس: الجيش. المربق: الصائد بالربقة وهى العروة فى الحبل، والمكلب: الصائد بالكلاب.
(٨) الوفضة: جعبة للسهام من أدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>