للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لبيك اللهم لبيك، لبيك معذرة إليك. وكانت تلبية من نسك لذى الخلصة:

لبيك اللهم لبيك، لبيك بما هو أحب إليك. . . (١)».

وجعلوا للحج أربعة أشهر معلومات، سموها الأشهر الحرم، وهى رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وكان الحج إلى مكة فى ثالثها، وفى اسمه ما يدل على أن الحج المعظم للكعبة القرشية كان فيه. وكانت هذه الأشهر حراما عندهم فلا يستباح دم، ولا تنشب حروب، إلا ما كان من حرب الفجار، وعدّت انتهاكا عظيما لحرمات البيت. وكأنما كانت هذه الأشهر هدنة لهم، ومعينا لبعدائهم عن الأماكن المقدسة فى الوصول إليها دون أن تمسّ نذورهم، وكانوا فيها يتجرون ويمترون ويقيمون أسواقهم كسوق عكاظ.

وكانت هناك جماعات تقوم على سدانة بيوتهم المقدسة، ويسمونها الحجابة، وكانت فى مكة لبنى عبد الدار، وبجانب هؤلاء السّدنة كهان كانوا يدّعون معرفة الغيب وأنه سخّر لهم طائف من الجن يسترق لهم السمع فيعرفون ما كتب للناس فى ألواح الغد. وممن عرف بذلك سطيح الذئبى وشق بن مصعب الأنمارى وعوف بن ربيعة الأسدى وسلمة الخزاعى وسواد بن قارب الدوسى وعزّى سلمة (٢). ونجد بجانب الكهنة كاهنات مثل الشعثاء والكاهنة السعدية والزرقاء بنت زهير وكاهنة ذى الخلصة (٣). وفى أخبار الإسلام الأولى ما يدل على أنه كان يلحق ببيوت الأصنام بغايا، وكانوا سببا فى ثورة بحضرموت قضى عليها أمية بن أبى المهاجر لعهد أبى بكر الصديق (٤).

ولعل فى كل ما قدمنا ما يدل على أنهم كانوا يؤمنون إيمانا واسعا بالأرواح وأنها تحل فى كل ما حولهم من مظاهر الطبيعة، وكان منها أرواح خيرة، هى الملائكة وأرواح شريرة هى الشياطين. وفى القرآن الكريم: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ»}. فكانوا


(١) المحبر ص ٣١١.
(٢) السيرة النبوية (طبع الحلبى) ١/ ١٥ والكامل لابن الأثير (طبع ليدن) ١/ ٣٠١ وأغانى (طبعة دار الكتب) ٩/ ٨٤ وطبعة الساسى ١٥/ ٧٠ والسيرة الحلبية (طبع بولاق) ١/ ٥.
(٣) انظر مجمع الأمثال للميدانى ١/ ٩١، ١/ ٢٢٣، ٢/ ٥٤.
(٤) المحبر ص ١٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>